القوانين العامة التي تحدد ارتفاع وهبوط الأجرة و الربح

قلنا أعلاه في الصفحة 14: "فالأجرة ليست إذن حصة العامل في البضاعة التي أنتجها. إن الأجرة هي قسم من بضاعة موجودة سلفا يشتري به الرأسمالي كمية معينة من قوة عمل منتجة". ولكن هذه الأجرة إنما ينبغي أن يستردها الرأسمالي من جديد من الثمن الذي يبيع به المنتوج الذي صنعه العامل، ينبغي أن يستردها بصورة يبقى له معها أيضا بوجه عام فائض عن نفقات الإنتاج التي قدمه، ربح. إن سعر مبيع البضاعة التي ينتجها العامل ينقسم بالنسبة للرأسمالي إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول، بدل ثمن المواد الأولية التي قدمها وكذلك بدل استهلاك الآلات ولأدوات وسائر وسائل العمل التي قدمها؛ القسم الثاني، بدل الأجرة التي قدمها؛ القسم الثالث، الفائض، ربح الرأسمالي. فبينما القسم الأول ليس إلا بدلا لقيم كانت موجودة في السابق، فمن الواضح أن بدل الأجرة وكذلك الفائض – ربح الرأسمالي يؤخذان بكليتهما من القيمة الجديدة التي أوجدها عمل العامل وأضيفت إلى قيمة المواد الأولية. وبهذا المعنى نستطيع أن نعتبر الأجرة والربح على السواء، حين نقارنهما مع، حصتين من منتوج العامل.

وحتى إذا ظلت الأجرة الفعلية كما هي عليه، بل حتى إذا ازدادت، فإن الأجرة النسبية قد تهبط. لنفترض مثلا أن جميع وسائل المعيشة قد هبطت أسعارها مقدار الثلثين، بينما لم تهبط الأجرة اليومية إلا مقدار الثلث، أي أنها هبطت مثلا من 3 ماركات إلى ماركين. فمع أن العامل يستطيع الآن أن يشتري بالماركين كمية من البضائع أكبر مما كان يشتريه بالماركات الثلاثة، فإن أجرته قد هبطت مع ذلك بالنسبة لربح الرأسمالي. فإن ربح الرأسمالي (الصناعي مثلا) قد ازداد مقدار مارك واحد، أي أنه ينبغي على العامل أن ينتج كمية أكبر مما مضى من القيم التبادلية، لقاء كمية أقل من القيم التبادلية التي يدفعها له الرأسمالي. وهكذا ازدادت حصة الرأسمال بالنسبة لحصة العمل واشتد التفاوت أيضا وأيضا في توزيع الثروة الاجتماعية بين الرأسمال والعمل. إن الرأسمالي يسيطر بالقدر نفسه من الرأسمال على قدر أكبر من العمل. وقد تعاظمت سيطرة الطبقة الرأسمالية على الطبقة العاملة، وتردّى وضع العامل الاجتماعي وهبط درجة أخرى بالنسبة لوضع الرأسمالي.

فما هو إذن القانون العام الذي يحدد هبوط وارتفاع الأجرة والربح في علاقتهما المتبادلة ؟

إن علاقتهما متناسبة عكسا. فإن حصة الرأسمال، الربح، ترتفع بقدر ما تهبط حصة العمل، الأجرة اليومية، والعكس بالعكس. إن الربح يرتفع بقدر ما تهبط الأجرة، ويهبط بقدر ما ترتفع الأجرة.

قد يعترض معترض ويقول أن الرأسمالي يستطيع الحصول على ربح من مبادلة منتجاته مبادلة رابحة مع رأسماليين آخرين، أو من تزايد الطلب على بضاعته من جراء افتتاح أسواق جديدة، أو أيضا من ازدياد الحاجات مؤقتا في الأسواق القديمة، الخ.؛ وأن ربح الرأسمالي يمكن له إذن أن يزداد على حساب رأسماليين آخرين، بصرف النظر عن ارتفاع الأجرة أو هبوطه، بصرف النظر عن القيمة التبادلية لقوة العمل؛ أو أن ربح الرأسمالي يمكن له أيضا أن يزداد من جراء تحسين أدوات العمل وتطبيق أساليب جديدة في استخدام قوى الطبيعة، الخ..

ينبغي الإقرار بادئ الأمر أن النتيجة تظل واحدة كما هي رغم التوصل إليها بالطريق المعاكس. والحقيقة أن الربح قد ازداد لا لأن الأجرة قد هبطت، ولكن الأجرة هبطت لأن الربح قد ازداد. فإن الرأسمالي قد اشترى بالقدر نفسه من عمل الغير قدرا أكبر من القيم التبادلية دون أن يدفع ثمنا أرفع للعمل؛ أي، بالتالي، إن ثمن العمل هبط بالنسبة للربح الصافي الذي يدرّه للرأسمالي.

وفضلا عن ذلك، لنذكر بأن متوسط سعر كل بضاعة أو النسبة التي تبادل بموجبها مقابل بضائع أخرى، إنما تحدده نفقات إنتاج هذه البضاعة، رغم تقلبات أسعار البضائع. ولذا تتعادل بالضرورة الخداعات المتبادلة في داخل الطبقة الرأسمالية. وتحسين الآلات وتطبيق أساليب جديدة في استخدام قوى الطبيعة في الإنتاج، يتيحان، في وقت معين من العمل، وبالقدر نفسه من العمل والرأسمال، خلق قدر أكبر من المنتجات، ولكنهما لا يخلقان إطلاقا قدرا أكبر من القيم التبادلية. فإذا كنتُ أستطيع، بفضل استخدام المغزل الآلي، أن أسلّم في مدى ساعة قدرا من الخيطان يزيد 100 بالمئة عما قبل اختراع المغزل الآلي، مثلا 100 رطل بدلا من 50، فإني لا أتلقّى، بصورة وسطية وخلال فترة طويلة نسبي، مقابل الـ100 رطل قدرا من البضائع يزيد عما كنت أتلقّاه مقابل 50 رطل، لأن نفقات الإنتاج قد هبطت 50 بالمائة أو لأني أستطيع أن أسلم بالنفقات نفسها ضعف الإنتاج.

أخير، مهما كانت النسبة التي تتقاسم بموجبها طبقة الرأسماليين، البرجوازية، الربح الصافي من الإنتاج، إما في بلد، وإما في السوق العالمية بكليته، فإن المبلغ الإجمالي لهذا الربح الصافي ليس، على كل حال، سوى المبلغ الذي أضافه العمل المباشر، بالإجمال، إلى العمل المكدَّس. وهكذ، فإن هذا المبلغ الإجمالي يزداد تبعا للنسبة التي يزيد بها العمل الرأسمال، أي تبعا للنسبة التي يزداد بموجبها الربح بالمقارنة مع الأجرة.