8- الحاجة إلى عمل موحد بين الاشتراكية الديموقراطية والنقابات

إن أهم الأماني التي يؤمل من الطبقة العاملة الألمانية في فترة النضالات العظيمة التي ستأتي آجلا أو عاجلا هي، بعد الحزم والتنسيق الكاملين للتكتيكات، القدرة القصوى على العمل وبالتالي أكبر قدر ممكن من وحدة الجزء الاشتراكي الديموقراطي القيادي من الجماهير البروليتارية. أمّا اليوم فقد تكشفت المحاولات الضعيفة الأولى للإعداد لأعمال جماهيرية ضخمة عن عطب خطير فيما يتعلق بهذا الأمر: الانفصال الكامل لمنظمتي الحركة العمالية واستقلالهما عن بعضهما، وهاتان المنظمتان هما الاشتراكية الديموقراطية والنقابات.

يتضح لنا من تفحص أدق للاضرابات الجماهيرية في روسيا وكذلك للظروف في ألمانيا ذاتها أن أي عمل جماهيري كبير لا يمكن أن يجري التفكير به على أساس ما يسمى بالاضراب الجماهيري السياسي، هذا إذا أريد لهذا العمل أن لا يقتصر على مجرد تظاهرة تدوم يوما واحدا بل أن يكون عملا قتاليا حقيقيا. وكل عمل كهذا في ألمانيا سيشمل النقابات يحسبون أن الاشتراكيين الديموقراطيين، بالنظر إلى كون منظمتهم أصغر من تنظيم إتحادات العمال، لن يكون لهم من مصدر للدعم غير مليون وربع المليون من أعضاء النقابات، وأن الإشتراكيين الديموقراطيين لن يستطيعون شيئا دون هؤلاء. بل إن ذلك يعود إلى سبب أعمق بكثير: لأن أي عمل جماهيري مباشر في فترة النضالات الطبقية المفتوحة سيكون في الوقت ذاته عملا سياسيا واقتصاديا. وإذا ما حدثت في ألمانيا لأي سبب وفي أي وقت نضالات سياسية كبيرة وإضرابات جماهيرية، فإن مرحلة من النضالات النقابية العنيفة ستبدأ في ألمانيا دون أن تنتظر الأمور موافقة القادة النقابيين على الحركة. وإذا ما وقف هؤلاء جانبا أو حاولوا مقاومة الحركة فإن النتيجة ستكون ازاحتهم من الطريق بفعل اندفاع الأحداث وستستمر الجماهير في نضالاتها السياسية والاقتصادية دونهم، تماما كما يحدث لقادة الحزب في أية حالة مماثلة.

في الواقع ليس فصل النضالين السياسي والاقتصادي واستقلالهما عن بعضهما البعض غير نتاج مصطنع للفترة البرلمانية، حتى ولو كان هذا النتاج محددا تاريخيا. ومن جهة أخرى يتفتت النضال الاقتصادي ويتحلل خلال مسيرة المجتمع البرجوازي المسألة « الطبيعية » إلى عدد كبير من النضالات الفردية في كل مصلحة وفي كل فرع من فروع الإنتاج. ومن جهة أخرى لا توجه الجماهير ذاتها النضال السياسي في عمل مباشر بل طبقا لشكل الدولة البرجوازية بطريقة تمثيلية بواسطة وجود التمثيل التشريعي. ولكن حالما تبدأ فترة نضالات ثورية أي حالما تظهر الجماهير على مسرح الصراع يتوقف تفتت النضال الاقتصادي إلى أجزاء عدة كما يتوقف الشكل البرلماني غير المباشر للنضال السياسي. ففي العمل الجماهيري الثوري يصبح النضالان السياسي والاقتصادي كلا واحدا وكذلك يتحطم الفاصل المصطنع ما بين النقابات والاشتراكية الديموقراطية كشكلين منفصلين مستقلين تاما للحركة العمالية. ولكن ما يجد تعبيره الملموس في الحركة الجماهيرية الثورية يجد أيضا تعبيره في الفترة البرلمانية كأمر واقع. وليس هناك نضالان طبقيان مختلفان للطبقة العاملة أحدهما اقتصادي والآخر سياسي، بل هناك فحسب نضال طبقي واحد يهدف في الوقت ذاته إلى الحد من الاستغلال الرأسمالي داخل المجتمع الرأسمالي وإلى إلغاء الاستغلال والمجتمع البرجوازي معا.

عندما يفصل هذان الجانبان من النضال الطبقي أحدهما عن الآخر في الفترة البرلمانية لأسباب فنية، فإنهما لا يشكلان عملين متوازيين يحدثان في الوقت ذاته بل يشكلان وجهين أو مرحلتين من مراحل النضال من أجل انعتاق الطبقة العاملة. إن النضال النقابي يشمل المصالح المباشرة للطبقة العاملة بينما يشمل النضال الاشتراكي الديموقراطي مصالحها المستقبلة. يقول البيان الشيوعي أن الشيوعيين يمثلون المصالح المشتركة للبروليتاريا ككل بعكس المصالح الجزئية المتعددة سواء أكانت محلية أو قومية، وهم في المراحل المختلفة لتطور الصراع الطبقي يمثلون مصالح الحركة كلها أي يمثلون الهدف النهائي الا وهو تحرير البروليتاريا. أمّا النقابات فتمثل فقط المصالح الفئوية وفي مرحلة واحدة من مراحل تطور الحركة العمالية. إن الاشتراكية الديموقراطية تمثل الطبقة العاملة وهدف تحررها ككل. من هنا فإن علاقة النقابات بالإشتراكية الديموقراطية هي علاقة الجزء بالكل. وعندما تجد نظرية « السلطة المتساوية » للنقابات والاشتراكية الديموقراطية هذا القدر من الصدى الإيجابي بين قادة النقابات فإنها تقوم على سوء فهم أساسي لماهية النقابية ولدورها في النضال العام من أجل حرية الطبقة العاملة.

غير أن نظرية العمل المتوازي للاشتراكية الديموقراطية والنقابات، وسلطتها المتساوية ليست بدون أساس إطلاقا، فإن لها جذورها التاريخية. إنها تقوم على الوهم الذي تشيعه الفترة المسالمة « الطبيعية » للمجتمع البرجوازي حيث يبدو النضال السياسي للاشتراكية الديموقراطية مستنفدا في النضال البرلماني. بيد أن النضال البرلماني وهو الجزء المقابل للنضال النقابي نضال يشن على أساس النظام الاجتماعي البرجوازي كما النضال النقابي ذاته. فهو بطبيعته عمل اصلاحي سياسي كما أن العمل النقابي عمل إقتصادي إصلاحي. إنه يمثل العمل السياسي في الوقت الراهن كما أن النقابات تمثل العمل الاقتصادي في الوقت الحاضر. إنه، كما النقابات ذاتها مجرد وجه ومرحلة من التطور في عملية كاملة هي عملية الصراع الطبقي البروليتاري الذي يتخطى هدفه النهائي النضال البرلماني بالقدر الذي يتخطى به النضال النقابي. وما النضال البرلماني بالعلاقة مع السياسة الاشتراكية الديموقراطية غير جزء من كل، كما العمل النقابي. إن الاشتراكية الديموقراطية اليوم تضم النضالين البرلماني والنقابي في نضال طبقي واحد يهدف إلى إلغاء النظام الاجتماعي البرجوازي.

وبالمثال فإن نظرية « السلطة المتساوية » للنقابات والاشتراكية الديموقراطية ليست مجرد سوء فهم نظري وليس مجرد تشوش، بل هي تعبير عن اتجاه الجناح الانتهازي المعروف جيدا من الاشتراكية الديموقراطية والذي يحصر النضال السياسي للطبقة العاملة في النطاق البرلماني والذي يريد أن يحول الاشتراكية الديموقراطية من حزب بروليتاري ثوري إلى حزب إصلاحي برجوازي صغير.(1) »

وإذا كان للاشتراكية الديموقراطية أن تتقبل نظرية « السلطة المساومة » لاتحادات العمال، فإنها بذلك تكون قد قبلت ضمنا وبصورة غير مباشرة ذلك التحول الذي طالما كافح من أجله ممثلو الاتجاه الانتهازي.

ولكن في ألمانيا تبادل في العلاقات داخل الحركة العاملة لا يمكن أن يوجد في أي قطر آخر. إن المفهوم النظري الذي تكون النقابات بموجبه مجرد جزء من الاشتراكية الديموقراطية يجد تعبيره في الوقائع في ألمانيا في الممارسة العملية، وذلك في ثلاثة اتجاهات.

أولا- النقابات الألمانية نتاج مباشر للاشتراكية الديموقراطية، فالاشتراكية الديموقراطية هي التي خلقت بدايات الحركة النقابية في ألمانيا وهي التي مكنت هذه الحركة من أن تأخذ أبعادا كبيرة، والاشتراكية الديموقراطية قي التي تزود النقابات إلى يومنا هذا بقيادتها وأكثر منظميها نشاطا.

ثانيا- النقابات الألمانية نتاج للاشتراكية الديموقراطية أيضا بمعنى أن التعاليم الاشتراكية الديموقراطية هي روح ممارسة النقابات. فالنقابات مدينة بتفوقها على كل منظمات العمال البرجوازية لفكرة الصراع الطبقي. ونجاحها العملي وقوتها نتيجة مباشرة لكون ممارساتها تهتدي بنظرية الاشتراكية العلمية فترتفع بذلك فوق مستوى الاشتراكية الضيقة الأفق. إن قوة « السياسة العملية » للنقابات الألمانية تكمن في تبصرها بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية العميقة للنظام الرأسمالي وهي مدينة بهذا التبصر لنظرية الاشتراكية العلمية التي تقيم ممارستها عليها كليا. إن كل محاولة لتحرير النقابات من النظرية الاشتراكية الديموقراطية لصالح هذه « النظرية النقابية » المضادة للاشتراكية الديموقراطية أو تلك ليست من وجهة نظر النقابات ذاتها ومن وجهة نظر مستقبلها غير محاولة انتحار. ففصم الممارسة النقابية عن نظرية الاشتراكية العلمية يعني للنقابات الألمانية فقدانها الفوري لكل تفوقها على جميع أنواع اتحادات العمال البرجوازية ووقوعها من عليائها الحالية إلى مستوى التجريبية الخاملة والتمرس المتذبذب لطريقها.

ثالثا- وفي النهاية، إن النقابات نتاج للحركة الاشتراكية الديموقراطية وللتحريض الاشتراكي الديموقراطي حتى فيما يتعلق بصددها،على الرغم من أن قادتها قد غفلوا عن هذه الحقيقة. صحيح أن التحريض النقابي يسبق في كثير من المناطق التحريض الاشتراكي الديموقراطي وأن عمل النقابات لعمل الحزب .فالحزب والنقابات من وجهة نظر الأثر تساعد بعضها إلى أكمل حد. ولكن عندما ينظر إلى صورة الصراع الطبقي في ألمانيا ككل وعندما ينظر إلى ارتباطاتها الأعمق فإن النسب تتغير إلى حد بعيد. لقد اعتاد كثيرون من قادة النقابات النظر بزهو من علياء تعداد أعضاء نقاباتهم البالغ مليون وربع على العدد القليل لأعضاء الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي لم يبلغ بعد نصف مليون، وذلك عندما يتذكرون كيف كان الاشتراكيون الديموقراطيون قبل عشرة أو اثنتي عشر سنة ينظرون بتشاؤم إلى احتمالات تطور النقابات.

وهم يرون بين هذين الأمرين – العدد الضخم لأعضاء النقابات المنظمين والعدد القليل للاشتراكيين الديموقراطيين المنظمين – علاقة سببية إلى هذا الحد أو ذاك. فآلاف مؤلفة من العمال لا تنضم لمنظمات الحزب لأنها تنضم للنقابات. وطبقا لهذه النظرية يجب أن يكون العمال جميعا بصورة مزدوجة فيحضرون نوعين من الاجتماعات ويدفعون تبرعات مضاعفة ويقرأون نوعين من الصحف العمالية الخ. ولكن من الضروري لهذا وجود مستوى أعلى من الذكاء ومن المثالية التي تجعل العامل، بسبب من احساسه بالواجب تجاه الحركة العمالية، مستعدا للتضحية اليومية بالوقت والمال، كما أن من الضروري له الاهتمام الحماسي بالحياة الفعلية للحزب، ذلك الاهتمام الذي لا يمكن أن يتحقق بالانخراط في عضوية منظمة للحزب. وكل هذا ينطبق على الأقلية الذكية والمتنورة من العمال الاشتراكيين الديموقراطيين في المدن الكبيرة حيث حياة الحزب غنية وجذابة وحيث مستوى معيشة العمال مرتفع. ولكن من الصعب تحقيق الشكل المزدوج من التنظيم بين القطاعات الأوسع من الجماهير العمالية في المدن وكذلك في المقاطعات والمدن الصغيرة والصغرى حيث الحياة السياسية المحلية ليست أمرا مستقلا بل انعكاسا لسير الأحداث في العاصمة، وبالتالي حيث حياة الحزب خاوية ورتيبة وحيث المستوى الاقتصادي لمعيشة العمال تاعس في غالب الأحيان.

يجد العامل ذو التفكير الاشتراكي الديموقراطي حلا للمسألة بالانضمام إلى نقابة. فالمصالح المباشرة لنضاله الاقتصادي التي تضعها طبيعة النضال ذاته لا يمكن أن تتحقق بأي وسيلة غير العضوية في تنظيم نقابي. فالتبرع الذي لا يمكن أن يتحقق بأي وسيلة غير العضوية في تنظيم نقابي. فالتبرع الذي يدفعه، غالبا بالتضحية بمستوى معيشته، يؤدي له نتائج مباشرة مرئية. وفي الوقت ذاته تسير له ميوله الاشتراكية الديموقراطية الاشتراك في أنواع متعددة من العمل دون أن ينخرط في إحدى منظمات الحزب وذلك بالتصويت في الانتخابات البرلمانية وحضور الاجتماعات الاشتراكية الديموقراطية العلنية، ومتابعة التقارير عن الخطب الاشتراكية الديموقراطية في الهيئات التمثيلية وقراءة صحف الحزب. وللدلالة على ذلك تكفي المقارنة بين عدد الناخبين الاشتراكيين الديموقراطيين أو عدد المشتركين في صحيفة « فوروارتز » في برلين بعدد أعضاء الحزب المنظمين.

والأهم من ذلك أن العامل العادي ذا التفكير الاشتراكي الديموقراطي لا يمكن لكونه رجلا بسيطا أن يفهم تلك النظرية المعقدة الدقيقة المسماة نظرية الروح المزدوجة، فهو يشعر في النقابة أنه منظم في الاشتراكية الديموقراطية. وعلى الرغم من أن اللجان المركزية للنقابات ليس لها صفة حزبية رسمية، إلاّ أن العامل من بين جماهير كل بلدة ومدينة يرى أن أكثر القادة نشاطا على رأس النقابة التي ينضم إليها، هم زملاء يعرف أنهم أيضا رفاق واشتراكيون ديموقراطيون. فهم حينا ممثلون في الرايشتاغ أو اللاندفتاغ أو ممثلون محليون، وهم حينا آخر رجال الاشتراكية الديموقراطية الثقاة وهم حينا ثالثا أعضاء انتخابية وحينا آخر محررون في صحف الحزب أو أمناء لفروعه او يعرفهم ، على أنهم مجرد خطباء ومحرضين. أكثر من ذلك، يسمح العامل التحريضي الذي تقوم به النقابة الأفكار المحببة لديه والتي يفهمها تماما، أفكار الاستغلال الرأسمالي والعلاقات الطبقية الخ، وهي أفكار أتت إليه من التحريض الاشتراكي الديموقراطي. وبالفعل، أن أكثر من تحبهم الجماهير من خطباء الاجتماعات النقابية هم الخطباء الاشتراكيون الديموقراطيون ذاتهم.

هكذا يتضافر كل شيء ليعطي العامل العادي الواعي طبقيا إحساسا بأنه بانتظامه في نقابته إنما ينتظم ذلك في حزبه العمالي ويصبح منظما اشتراكيا ديموقراطيا. وهنا تكمن قوة النقابات الألمانية عدديا. فالنقابات المركزية لم تستطع إحراز قوتها الراهنة بسبب من تظاهرها بالحياد بل بسبب حقيقتها الاشتراكية الديموقراطية في الواقع. وقد حدث هذا ببساطة عبر التعايش مع النقابات المختلفة التي أنشأتها الأحزاب البرجوازية والتي سعت إلى إقامة ضرورة ذلك « الحياد » السياسي. وعندما يكون للعامل الألماني ملء حرية الاختيار في الارتباط بنقابة مسيحية أو كاثوليكية أو إنجيلية فلا يختار أيا من هذه بل يختار « نقابة حرة » بدلا من ذلك أو يترك إحدى النقابات الأولى لينضم إلى هذه الأخيرة، فإنه إنما يفعل ذلك لأنه يعتبر النقابات المركزية منظمات مكرسة للصراع الطبقي الحديث أو أنها نقابات اشتراكية ديموقراطية وهذا هو الشيء ذاته في ألمانيا.

في كلمة واحدة، إن مظهر « الحياد » الموجود في مختلف قادة النقابات غير موجود إطلاقا بالنسبة لجمهور أعضاء النقابات المنظمين، وما هذا إلاّ من حسن حظ الحركة النقابية. ذلك أنه ما قدر للمظهر « الحيادي »، أي انفصام وانفصال النقابات عن الاشتراكية الديموقراطية، أن يصبح حقيقة واقعة في نظر الجماهير البروليتارية، فإن النقابات هنا إذن ستخسر كل ميزاتها على الاتحادات البرجوازية المنافسة وبالتالي تخسر قوتها العددية أي وقودها الحيوي. وهذا أمر تثبته الوقائع المعروفة جيدا فمظهر « حياد » النقابات سياسيا عن الحزب يمكن أن يؤدي كوسيلة اجتذاب خدمة لا تقدر بثمن للنقابات في بلد لا تتمتع فيه الاشتراكية الديمقراطية نفسها برصيد بين الجماهير،أي بلد لا تضر فيه وصمة ارتباط المنظمة العمالية بالحزب المنظمة بدلا من أن تفيدها، وباختصار في بلد يتعين فيه على النقابات أن تجند قواها من بين جمهور غير متنور أبدا وذي تفكير برجوازي.

لقد كان افضل مثل على هذا البلد خلال القرن الماضي وإلى حد ما حتى اليوم هو بريطانيا العظمى. أمّا في ألمانيا فعلاقات الحزب مختلفة تماما. ففي بلد كهذا، الاشتراكية الديموقراطية هي أقوى حزب سياسي فيه وحيث تتمثل القوة التي يمكن للحزب أن يجند منها بجيش يربو عدده على ثلاثة ملايين بروليتاري، فإن من السخف الحديث عن التأثير الرادع للاشتراكية الديموقراطية وعن ضرورة التزام منظمة قتالية للعمال الحياد السياسي. إن مجرد مقارنة أرقام الناخبين الاشتراكيين الديموقراطيين بأرقام المنظمات النقابية في ألمانيا يكفي لأن يبرهن لأكثر الناس سذاجة أن النقابات الألمانية لا تستمد قواها كما في إنجلترا من جمهور غير متنور ذي تفكير برجوازي، بل من جمهور بروليتاري عبأته الاشتراكية الديموقراطية وكسبته لفكرة الصراع الطبقي. إن كثيرين من قادة النقابات يرفضون هذه الفكرة – وهذا شرط لازم « لنظرية الحياد » – ويعتبرون أن النقابات مدرسة تجنيد للاشتراكية الديموقراطية. يصبح هذا الافتراض المهين في الظاهر، الباعث على الزهو في الحقيقة، مجرد خيال، لأن الأمور معكوسة، فالاشتراكية الديموقراطية هي مدرسة التجنيد للنقابات.

بالإضافة إلى ذلك، إذا كان العمل التنظيمي للنقابات في معظمه من نوع صعب جدا ومزعج، فإن ذلك، باستثناء بضع حالات وبعض مناطق، لا يعود لأن الأرض لم يمهدها المحراث الاشتراكي الديموقراطي فحسب، بل أيضا لأن بذار النقابات ذاتها والبذار كذلك يجب أن يكون جميعا « حمراء » أي اشتراكية ديموقراطية قبل أن تزدهر الغلال، ولكننا عندما نقارن بهذه الطريقة أرقام عدد أعضاء النقابات، لا بتعداد المنظمات الاشتراكية الديموقراطية، بل كما يجب بتعداد جماهير الناخبين الاشتراكيين الديموقراطيين، فإننا نستخلص نتيجة تختلف كثيرا عن وجهة النظر السائدة الان بالنسبة للمسألة. إذ نتبين أن « النقابات الحرة » لا تمثل في الواقع سوى أقلية من العمال الواعين طبقيا في ألمانيا وأنها حتى بأعضائها المنظمين البالغ عددهم 2,25 مليون لم تستطع بعد أن تجتذب إلى صفوفها نصف أولئك الذين استطاعت الاشتراكية الديموقراطية أن توقظهم. إن أهم نتيجة تستخلص من الحقائق التي أوردناها هي أن الوحدة الناجزة بين الحركة النقابية والحركة الاشتراكية الديموقراطية، تلك الوحدة الضرورية ضرورة مطلقة للنضالات الجماهيرية القادمة في ألمانيا، موجودة بالفعل ومتضمنة في الجماهير العريضة التي تشكل في وقت معا أساس الاشتراكية الديموقراطية والنقابات والتي يلتحم جزءا الحركة في وعيها وحدة عقلية. وبذلك يتقلص التناقض المزعوم بين الاشتراكية الديموقراطية والنقابات إلى تناقض بين الاشتراكية الديموقراطية وجزء معين من رسميي النقابات، وذلك التناقض الذي هو في الوقت ذاته تناقض داخل النقابات ذاتها بين هذا الجزء من القادة النقابيين وبين الجمهور البروليتاري المنظم في النقابات.

لقد أدى النمو السريع الذي شهدته النقابات في ألمانيا خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة، وخاصة في فترة الازدهار الاقتصادي الكبير 1895-1900، أدت إلى تمتع النقابات بقدر كبير من الاستقلال وبتخصص في أساليبها النضالية وفي النهاية إلى إيجاد موظفين يعملون في اتحادات العمال بصورة منتظمة. إن هذه الظواهر أمر يمكن فهمه، وهي نتائج تاريخية طبيعية لنمو النقابات في فترة الخمسة عشر عاما وخلال الازدهار الاقتصادي والهدوء السياسي في ألمانيا، وهي بلا أدنى شك شر لا بد منه تاريخيا على الرغم من كونها ترتبط ارتباطا وثيقا ببعض النكسات. ولكن جدل التطور يؤدي أيضا إلى وضع تصبح معه الوسائل الضرورية لتنمية النقابات عقبات في سبيل تطورها اللاحق في مرحلة معينة من التنظيم وفي درجة معينة من نضج الظروف.

إن تخصص قادة النقابات في النشاط المهني، وكذلك الأفق المحدود بطبيعته المرتبط بالنضالات الاقتصادية المتناثرة في فترة سلمية يؤدي بقدر كبير من السهولة إلى انتشار البيروقراطية وحد معين من ضيق الأفق بين موظفي النقابات. وكلاهما على أية حال يعبر عن نفسه في سلسلة من الاتجاهات قد تكون مضرة إلى أقصى حد بمستقبل الحركة النقابية. فهناك أولا وقبل كل شيء المبالغة في تقدير التنظيم الذي تحول تدريجيا من وسيلة إلى غاية بحد ذاته، إلى شيء ثمين يجب أن تخضع له كل مصالح النضالات، ومن هذا تنبثق الحاجة التي يعترف بها علنا للسلام والتي تتخاذل أمام المخاطر العظيمة والأخطار المفترضة لتتقوقع في استقرار النقابات. كما ينبثق منها أيضا المبالغة في تقدير الوسيلة النقابية في النضال وآفاقها ونجاحاتها. إن قادة النقابات ينهمكون باستمرار في حرب العصابات الاقتصادية التي تضع لنفسها هدفا هو جعل العمال يعلقون قدرا هائلا من الأهمية على أصغر المكتسبات الاقتصادية وعلى كل ازدياد في الأجور وعلى كل تخفيض في يوم العمل. وبذلك يفقد هؤلاء القدرة على رؤية الارتباطات الأكبر وعلى القيام بمسح شامل للموقف كله. وبهذه الطريقة فقط يمكننا أن نفسر لماذا يشير كثير من قادة النقابات بأعظم الرضى إلى إنجازات الأعوام الخمس عشرة الأخيرة. بدلا من أن يفعلوا العكس ويؤكدوا على الوجه الأخر للمسألة: الانخفاض الكبير الذي طرأ في الوقت ذاته على مستوى المعيشة البروليتاري بفعل الربا وبفعل السياسة الضريبية والجمركية وبفعل جشع الملاك الذين زادوا ايجار البيوت إلى حد مخيف، وباختصار بفعل كل الوجهات الموضوعية للسياسة البرجوازية التي وازنت إلى حد كبير إنجازات خمسة عشر عاما من العمل النقابي. إن الحقيقة الاشتراكية الديموقراطية كلها يجب، في الوقت الذي تؤكد فيه على أهمية العمل الحالي وضرورته المطلقة، ان تعلق الأهمية الرئيسية على نقد هذا العمل وتبيان حدوده. إلاّ أن النقابات تأخذ بالاعتبار نصف الحقيقة فتؤكد على الجانب الايجابي للنضال اليومي.

في النهاية، فإن اخفاء الحدود الموضوعية التي يضعها النظام الاجتماعي البرجوازي أمام نضال النقابات يولد عداء لكل نقد نظري يشير إلى هذه الحدود بالعلاقة مع الأهداف النهائية للحركة العمالية. وبذلك يعتبر التفاؤل الذي لا حد له ودغدغة الغرور واجب كل « صديق للحركة النقابية ». لكن وجهة نظر الاشتراكية الديموقراطية تتكون بالضبط من النضال ضد تفاؤل النقابات غير النقدي وكذلك من النضال ضد التفاؤل البرلماني غير النقدي. ولذا فإن جبهة تتشكل في النهاية ضد النظرية الاشتراكية الديموقراطية، فيتلمس البعض طريقه إلى « نظرية نقابية (تريديونيونية) جديدة » أي نظرية تفتح أفقا غير محدود للتقدم الاقتصادي أمام النضال النقابي ضمن النظام الرأسمالي ضد العقيدة الاشتراكية الديموقراطية. ولقد وجدت نظرية كهذه بالفعل منذ بعض الوقت، نظرية البروفيسور سومبارت التي أذيعت وكان هدفها المعلن دق أسفين بين النقابات والاشتراكية الديموقراطية واجتذاب النقابات إلى الموقع البرجوازي.

وتظهر بالعلاقة مع هذه الاتجاهات النظرية ثورة في العلاقات بين القادة والقاعدة. وبدلا من التوجه الرفاقي عبر اللجان المحلية، مع كل عدم كفاية هذا الأسلوب، يظهر أسلوب جديد هو توجيه قادة النقابات لهذه النقابات على طريقة رجل الأعمال. وبذلك تقع مهمة المبادرة وسلطة اتخاذ القرارات على عاتق الاختصاصيين في النقابات، بينما يقتصر دور جماهير القاعدة على الالتزام بالفضيلة السلبية، فضيلة الانضباط. إن هذا الجانب المظلم من البيروقراطية يخفي وراءه أيضا أخطارا عظيمة تتهدد الحزب. فالابتكار الجديد وهو إقامة هيئات أمانة عامة لمحليات الحزب يمكن أن يؤدي إلى ذلك بسهولة إذا لم تحرص الجماهير الاشتراكية الديموقراطية على إبقاء هذه الهيئات مجرد أدوات لتنفيذ القرارات وعدم اعتبارها بأي شكل هيئات معينة للقيام بالمبادرة في حياة الحزب المحلية وتوجيهها. ولكن طبيعة الأمور ذاتها وطبيعة النضال السياسي تضع للبيروقراطية في الاشتراكية الديموقراطية حدودا ضيقة ليست كتلك التي في حياة النقابات.

ولكن التخصص الفني لمناضلين يتلقون أجرا، كثيرا ما يعني كما حدث في المصادقة على اتفاقات التعرفة وما شابهها منع جمهور العمال المنظمين من القيام « بمسح للحياة الصناعية بكاملها » وبذلك تتقنن عدم قدرة هذا الجمهور على اتخاذ القرارات. وإحدى نتائج هذا المفهوم هي الحجة التي تحرم كل نقد نظري لاحتمالات وآفاق الممارسة النقابية بزعم أن نقدا كهذا يهدد بالخطر المشاعر الجماهيرية الموالية للنقابات. ومن وجهة النظر هذه استخلصت نتيجة فحواها أن الجماهير لا يمكن كسبها إلى التنظيمات النقابية وإبقائها فيها إلاّ بالإيمان الطفولي الأعمى بفعالية النضال النقابي. إن الاشتراكية الديموقراطية تقيم نفوذها على اتحاد الجماهير في خضم تناقضات النظام القائم وعبر الطابع المعقد لهذه التناقضات، وكذلك على اتخاذ الجماهير موقفا نقديا تجاه كل عوامل ومراحل نضالها الطبقي ذاته. أمّا النقابات فقد أقامت سلطتها ونفوذها على النظرية المقلوبة رأسا على عقب والقائلة بعدم قدرة الجماهير على النقد واتخاذ القرارات. « تجب المحافظة على إيمان الشعب »، هذا هو المبدأ الأساسي الذي يستخدمه الكثيرون من النقابات ليصموا كل نقد كفاية النقابية موضوعيا بأنه محاولة لقتل الحركة النقابية.

والنتيجة الأخيرة لهذا التخصص والتبقرط بين قادة النقابات هي الاستقلال الكبير و« الحياد » الذي تتمتع به النقابات في علاقاتها مع الاشتراكية الديموقراطية. لقد نشأ الاستقلال الكبير لتنظيم النقابات كنتيجة طبيعية لنموها، وكعلاقة نجمت عن الفصل التقني بين الشكلين السياسي والنقابي للنضال. أمّا « حياد » النقابات الألمانية فقد نشأ من جهته عن تشريع النقابات الرجعي الذي أصدرته الدولة البوليسية الألمانية-البروسية. ولكن بمرور الوقت تحولت طبيعة هذين طبيعة هذين الوجهين. فانبثقت من حالة « حياد » النقابات السياسي التي فرضها البوليس نظرية حياد طوعي كضرورة مبنية على الطبيعة المزعومة للنضال النقابي نفسه. كما أن استقلال النقابات استقلالا فنيا يقوم على تقسيم العمل ضمن النضال الطبقي الاشتراكي الديموقراطي الموحد وفصل النقابات عن الاشتراكية الديموقراطية وعن وجهات نظرها وقيادتها تحول إلى ما يدعى نظرية السلطة المتساوية للنقابات والاشتراكية الديموقراطية.

بيد أن هذا الانفصال الظاهري والمساواة الظاهرية بين النقابات والاشتراكية الديموقراطية قد تجسد بصورة رئيسية في قادة النقابات وتعزز عبر الجهاز الإداري للنقابات. فوجد هيئة كاملة من موظفي النقابات ولجنة مركزية مستقبلة تماما وصحافة مهنية متعددة ومؤتمر نقابات قد خلق وهما بوجود ما يوازي بالضبط الجهاز الإداري للاشتراكية الديموقراطية واللجنة التنفيذية للحزب وصحافة الحزب ومؤتمر الحزب. وقد أدى هذا الوهم بتساوي الاشتراكية الديموقراطية والنقابات، من بين أمور أخرى، إلى مشهد مريع هو أن جدولي أعمال متماثلين جزيئا يبحثان في مؤتمرات الحزب ومؤتمرات النقابات وأن قرارات مختلفة وحتى متعارضة تماما تتخذ بصدد المسائل ذاتها. ومن تقسيم العمل الطبيعية بين مؤتمر الحزب، الذي يمثل المصالح والمهام العامة للحركة العمالية، وبين مؤتمر النقابات، الذي يعالج مجالا أضيق بكثير من المسائل والمصالح الاجتماعية، اصطنع انقسام مفتعل بين وجهة نظر الاشتراكية الديموقراطية ووجهة نظر النقابات مسائل ومصالح الحركة العمالية العامة ذاتها.

ومن هنا نشأ وضع شاد هو أن الحركة النقابية التي تشكل من تحت وبالنسبة لجماهير البروليتاريا كلا واحدا بصورة مطلقة مع الاشتراكية الديموقراطية، تفترق عن الاشتراكية الديموقراطية من فوق في البنية الفوقية للإدارة، وتضع نفسها كقوة عظيمة مستقلة. ولذا فإن الحركة العمالية الألمانية تأخذ وضعا شاذا على شكل هرم مزدوج تتكون قاعدته وجسمه من كتلة واحدة متراصة بينما تفترق قمتاه.

من هذا التصوير للحالة القائمة تتضح الطريقة الوحيدة التي يمكن بها تحقيق الوحدة المتراصة للحركة العمالية الألمانية بطريقة طبيعية وناجحة، تلك الوحدة الضرورية التي لا غنى عنها بالنظر إلى النضالات الطبقية المقبلة والمصالح المحددة لتطوير النقابات. ولن تكون هناك طريقة أكثر شذوذا وعبثا لتحقيق الوحدة المرجوة من إجراء مفاوضات متفرقة ودورية بين قيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي واللجان المركزية للنقابات بصدد المسائل المتفرقة التي تؤثر على الحركة العمالية. فكما رأينا، أن الدوائر الأعلى لشكلي الحركة العمالية هي التي تجسد انفصالهما واكتفائهما الذاتية، وهما بالتالي من يشجع وهم السلطة المتساوية والوجود المتوازي للاشتراكية الديموقراطية والنقابية.

إن الرغبة في تحقيق الوحدة عبر اتحاد اللجنة التنفيذية للحزب واللجنة العامة للنقابات تعني الرغبة في بناء جسر بين ابعد نقطتين حيث العبور اصعب ما يكون. فضمان الوحدة الحقيقية للحركة العمالية لا يكمن فوقا بين رؤوس المنظمات القيادية الموجهة وعبر تحالفها الفيدرالي بل يكمن تحتا بين الجماهير البروليتارية المنظمة، فالحزب والنقابات تشكل في الواقع كلا واحدا في وعي أعضاء النقابات المليون وهما تمثلان شكلين مختلفين من أشكال النضال الاشتراكي الديموقراطي لتحرير البروليتاريا ومن هنا تنبثق بصورة أتوماتيكية الحاجة إلى القضاء على كل أسباب الاحتكاك الذي نشأ بين الاشتراكية الديموقراطية وجزء من النقابات وإلى تكييف علاقاتهما المتبادلة طبقا لوعي الجماهير البروليتارية، أي إلى إعادة ربط النقابات بالاشتراكية الديموقراطية. وبذلك يجري التعبير عن تركيب التطور الحقيقي الذي قاد من اندماج اتحادات العمال بالاشتراكية الديموقراطية إلى انفصالها عنها، وسيكون السبيل ممهدا لفترة النضالات الجماهيرية البروليتارية العظيمة القادمة وخلال فترة النمو القوي لكل من النقابات والاشتراكية الديموقراطية سيصبح اتحادهما من أجل مصالحهما كليهما ضرورة.

ليست المسألة بالطبع مسألة دمج تنظيم النقابات بالحزب ولكنها مسألة إعادة توحيد الاشتراكية الديموقراطية والنقابات، تلك الوحدة تنطبق على العلاقة الواقعية بين الحركة العمالية ككل وبين تعبيرها النقابي الجزئي. ولا شك أن ثورة كهذه ستجد لا محالة معارضة شديدة من جزء من قيادة النقابات. ولكن حان الوقت لجماهير الاشتراكية الديموقراطية العاملة أن تتعلم كيف تعبر عن قدرتها على التقرير والفعل. فتبين بالتالي نضجها للنضالات العظيمة والمهام العظيمة التي ستكون الجماهير جوقتها الفعلية بينما تلعب الهيئات القيادية دور الأجزاء الناطقة فقط، أي أنها ستكون فحسب المترجمة لإرادة الجماهير.

إن الحركة النقابية ليست ذلك الوهم اللاعقلاني الذي يعيش في مخيلة أقلية ضئيلة من قادة النقابات. ولكن تلك الحقيقة التي تعيش في وعي جماهير البروليتاريين الذين تم كسبهم للصراع الطبقي، والحركة النقابية في هذا الوعي جزء من الاشتراكية الديموقراطية. « وكما هي يجب أن تجرؤ على الظهور ».


(1) يشعر المرء بالامتنان للصراحة التي صاغ بها الاتجاه الانتهازي حديثا أهدافه، وذلك لأن وجود مثل هذا الاتجاه داخل الاشتراكية الديموقراطية الألمانية ينكر بشكل عام. في اجتماع حزبي عقد في 10 أيلول / سبتمبر 1909 تقدم الدكتور دافيد بالاقتراح التالي:
« في الوقت الذي يفسر فيه الحزب الاشتراكي الديموقراطي إصلاح ثورة بمعنى التطور المسالم لا بمعنى الإطاحة العنيفة أي بمعنى التحقيق التدريجي لمبدأ اقتصادي جديد، فإن الاجتماع العلني للحزب يستنكر كل نوع من أنواع الرومانتيكية الثورية.
« يرى الإجتماع أن الاستيلاء على السلطة السياسية لا تعدو كسب أغلبية الشعب لآراء ومطالب الاشتراكية الديموقراطية وهذا الإستيلاء لا يمكن أن يتحقق بواسطة العنف بل فحسب بتثوير العقل بواسطة الدعاية الفكرية والعمل الاصلاحي في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
« إعتقادا منا بأن الاشتراكية الديموقراطية تزدهر أكثر بكثير عندما تستخدم الطرق القانونية مما تزدهر عندما تعتمد على الوسائل غير القانونية والثورة، فإن الاجتماع يشجب العمل الجماهيري المباشر، كمبدأ تكتيكي ويتمسك بشدة بمبدأ العمل الاصلاحي البرلماني، أي أن الاجتماع يرغب في أن يحاول الحزب في المستقبل كما في الماضي تحقيق أهدافه بالتشريع بالتشريع والتطور التدريجي المنظم.
« إن الشرط الذي لا غنى عنه لهذه الطريقة الاصلاحية في النضال هو أن لا تقلل امكانية اشتراك الجماهير المفقرة من الشعب في التشريع للامبراطورية وللولايات المختلفة بل تزاد إلى أقصى حد ممكن. ولهذا السبب فإن الاجتماع يعلن أن حق الطبقة العاملة في الامتناع عن العمل مدة تطول أو تقصر في وجه الهجمات على حقوقها الشرعية أو لكسب حقوق أخرى هو حق لا يناقش عندما تفشل كل الوسائل الأخرى.
« ولكن بما أن الاضراب الجماهيري السياسي لا يمكن أن ينتصر إلاّ إذا أبقي ضمن الحدود القانونية وعندما لا يعطي العمال المضربون للسلطات أي عذر للجوء إلى القوة، فإن الاجتماع يرى أن الاعداد الحقيقي والضروري لممارسة هذه الوسيلة في النضال هو توسيع المنظمات السياسية والتعاونية والنقابية فبذلك فقط يمكن أن تخلق بين الجماهير العريضة الظروف التي تضمن تنفيذا ناجحا للاضراب الجماهيري: الانظباط الواعي والدعم الاقتصادي الكافي »