أوغست كورنو
(1981-1888)
وُلد أوغست كورنو في التاسع من أغسطس عام 1888 في بلدة بونيي-سور-سين الفرنسية، ليرحل بعد حياة حافلة بالعطاء الفكري في السادس من مايو 1981 في باريس، تاركًا خلفه إرثًا أكاديميًا ضخمًا في مجال دراسة الفكر الماركسي.
انطلق مساره العلمي من بوابة التعليم النخبوي في فرنسا، حيث تخرّج من المدرسة العليا للأساتذة، المعقل التاريخي للفكر الفلسفي الفرنسي. بدأ حياته المهنية أستاذًا للفلسفة في عدد من الثانويات، قبل أن ينتقل بعد الحرب العالمية الثانية إلى التدريس الجامعي، حيث شغل منصب أستاذ كرسي في جامعة هومبولت في برلين، ثم في جامعة السوربون في باريس، مما منحه منصةً مؤثرة لتشكيل أجيال من الباحثين في الفلسفة وتاريخ الأفكار.
لم يكن كورنو مجرّد أستاذ أو كاتب، بل كان مؤرخًا منهجيًا للفكر، ومفكرًا ماركسيًا يجمع بين الالتزام النظري والصرامة الأكاديمية. تمحورت حياته الفكرية حول مشروع ضخم وموسوعي، تجسّد في مؤلَّفه الرئيسي: "كارل ماركس وفريدريك إنجلز: حياتهم وأعمالهم".
لم يكن هذا العمل سردًا سيريًا عاديًا، بل كان دراسة تحليلية عميقة تتبع التطوّر الفكري لماركس وإنجلز منذ بداياتهما في رحاب الهيجلية الشابة، مرورًا بالتحوّل نحو المادية الجدلية، ووصولًا إلى صياغة المادية التاريخية ومواجهة أحداث ثورات 1848.
اعتمد كورنو في هذا المشروع — الذي لم يُكتَب له أن يكتمل — على منهج جيني دقيق، يفحص تطور الأفكار كما تتبّع عالم الأحياء تطور الكائنات، واضعًا إياها في سياقها التاريخي والفلسفي والاجتماعي، مع إيلاء اهتمام خاص لتأثير دائرة "الهيجيليين الشباب" على ولادة الماركسية.ولم يقتصر إسهامه على دراسة الماركسية فحسب، بل قدّم أيضًا ترجمة فرنسية محكمة ومشحونة بشروح عميقة لـ "موسوعة العلوم الفلسفية" لهيجل، ساعدت في إحياء الاهتمام بالهيجلية في فرنسا.
عاش كورنو حقبةً كانت فيها الماركسية قوة فكرية وسياسية صاعدة في أوروبا، خاصة داخل الحزب الشيوعي الفرنسي. لكنه تميز عن الكثيرين من معاصريه بعمقه التاريخي وتحليله الموضوعي، بعيدًا عن الخطاب الحزبي المباشر. لقد قدّم ماركس الفيلسوف والمفكر الذي تشكّل في رحم الإشكاليات الفكرية لعصره، وليس ماركس النص المقدس أو الشعار السياسي.
ولهذا، بقي كورنو حتى اليوم مرجعًا أساسيًا لا غنى عنه لكل من يريد فهم الجذور العميقة للفكر الماركسي، حيث تتجاوز أهميته كونه باحثًا ماركسيًا مخلصًا إلى كونه مؤرخًا كبيرًا للأفكار، جمع بين دقة الأكاديمي وعمق الفيلسوف.