أنطونيو غرامشي

(1937-1891)


ولد أنطونيو غرامشي عام 1891 في جزيرة سردينيا الفقيرة، حيث عانى منذ طفولته من الفقر والمرض والتشوه الجسدي بسبب سوء التغذية. لكن هذه الظروف القاسية لم تكسر إرادته، بل زرعت فيه بذور التمرد على النظام الاجتماعي الجائر. انتقل إلى تورينو الصناعية كطالب جامعي، وهناك شهد عن قرب معاناة الطبقة العاملة في المصانع، فتحول من فتى ريفي إلى ثوري ماركسي.

في تورينو، انخرط غرامشي في الحركة العمالية الناشئة، وكتب في الصحف الاشتراكية منتقداً بشدة تواطؤ النقابات الإصلاحية مع الرأسمالية. خلال الحرب العالمية الأولى، وقف ضد التيار القومي السائد في الحزب الاشتراكي الإيطالي، محذراً من أن الحرب هي مجزرة إمبريالية يدفع ثمنها العمال. أسس مع رفاقه صحيفة "النظام الجديد" عام 1919، التي أصبحت منبراً للعمال المضربين في مصانع تورينو، حيث دعا إلى إنشاء مجالس عمالية على نموذج السوفييتات الروسية.

بعد انتصار الثورة البلشفية، ساهم غرامشي في تأسيس الحزب الشيوعي الإيطالي عام 1921، ممثلاً الجناح الراديكالي الذي رفض أي مساومة مع البرجوازية. في مواجهة صعود الفاشية، طور نظريته عن "حرب المواقع" التي أكدت على ضرورة كسب الهيمنة الثقافية قبل الاستيلاء على السلطة السياسية. اعتقله النظام الفاشي عام 1926، وحكم عليه بالسجن عشرين عاماً، لكن السجن لم يكن سوى بداية مرحلة جديدة من نضاله.

في زنزانته، كتب غرامشي "دفاتر السجن" الشهيرة، حيث حلل ببراعة آليات هيمنة الطبقة الحاكمة، وضرورة بناء "المثقفين العضويين" من صفوف البروليتاريا. ناقش بذكاء العلاقة بين البنية الفوقية والتحتية، مؤكداً أن الثورة لا تقتصر على تغيير علاقات الإنتاج، بل يجب أن تشمل تحولاً ثقافياً جذرياً. توفي عام 1937 تحت التعذيب والسجن، لكن أفكاره انتصرت بعد موته، لتصبح إرثاً ثورياً يضيء طريق الحركات التحررية في كل أنحاء العالم.

لم يكن غرامشي مجرد فيلسوف في برج عاجي، بل كان ثورياً عملياً آمن بأن النظرية يجب أن تكون دليلاً للعمل. ترك لنا درساً بليغاً: أن الثورة الحقيقية تتطلب صراعاً مركباً على جميع الجبهات - الاقتصادية والسياسية والثقافية - وأن انتصار البروليتاريا لا يمكن أن يكون إلا أممياً. اليوم، وبعد أكثر من ثمانين عاماً على رحيله، تبقى أفكاره سلاحاً حياً في مواجهة الرأسمالية المتوحشة وهيمنتها الثقافية.

 


أرشيف أنطونيو غرامشي