الفصل الاول
الاحتكارات وتمركز الإنتاج

أثناء السنوات الخمس عشر أو العشرين الأخيرة، ولاسيما بعد الحرب الاسبانية-الأمريكية 1898 والحرب الانجليزية-البويرية (1899-1902) أخذ الآداب الاقتصادية وكذلك السياسية في العالمين القديم والجديد يتطرق أكثر فأكثر إلى مفهوم « الإمبريالية » لوصف العصر الذي نجتازه. ففي سنة 1902 صدر في لندن ونيويورك مؤلف اقتصادي إنجليزي هوبسون عنوانه: « الإمبريالية ». والمؤلف، المتمسك بوجهة نظر النزعة البرجوازية للاشتراكية الإصلاحية والمسالمة، وهي وجهة نظر لا تختلف، في الجوهر، عن الموقف الذي يقفه حاليا الماركسي السابق كاوتسكي، قد أعطى وصفا ممتازا مفصلا لخواص الإمبريالية الاقتصادية والسياسية الأساسية. وفي سنة 1910 صدر في فيينا مؤلف الماركسي النمساوي رودولف هيلفردينغ عنوانه: « الرأسمال المالي » (الترجمة الروسية: موسكو، سنة 1912). إن هذا الكتاب، رغم غلطة المؤلف في مسألة نظرية النقود وميله بعض الشيء إلى التوفيق بين الماركسية والانتهازية، عبارة عن تحليل نظري قيم للغاية « لأحدث المراحل في تطور الرأسمالية » كما ينص العنوان الثانوي لمؤلف هيلفردينغ. إن ما قيل في السنوات الأخيرة عن الامبريالية، ولاسيما في العدد الكبير من مقالات المجلات والجرائد في هذا الموضوع وكذلك في القرارات، مثلا، مؤتمري خيمنيتز وبال المعقودين في خريف سنة 1912، لم يتعد، في الجوهر، دائرة الأفكار التي عرضها أو، بالأصح، التي لخصها المؤلفان المذكوران…

وسنسعى فيما يأتي لنعرض، بإيجاز وبأبسط شكل ممكن، صلة وتفاعل خواص الإمبريالية الأساسية. ولن نتطرق إلى الناحية غير الاقتصادية في المسألة مهما كانت جديرة بذلك. أمّا أسماء الكتب التي استشهدنا بها والملاحظات الأخرى التي قد لا تهم جميع القراء فنحيلها إلى آخر الكتاب.

 


 

إن نمو الصناعة الهائل والسرعة الكبرى في سير تمركز الإنتاج في مشاريع تتضخم باستمرار هما خاصة من أخص خصائص الرأسمالية. وتعطي الإحصاءات الصناعية الحديثة عن هذا السير أكمل المعلومات وأضبطها.

ففي ألمانيا، مثلا، كان يوجد بين كل ألف مشروع صناعي في سنة 1882 - 3 وفي سنة 1895 - 6 وفي سنة 1907 - 9 من المشاريع الكبرى، أي التي يعمل فيها أكثر من 50 من العمال الأجراء. وكانت حصتها في كل مئة عامل 22 ، 30 و37. ولكن تمركز الإنتاج أقوى جدا من تمركز العمال، لأن العمل في المشاريع الكبرى ذو إنتاجية أكبر جدا. وهذا ما تبنته الأرقام الخاصة بالماكينات البخارية والمحركات الكهربائية. فإذا أخذنا ما يسمى في ألمانيا الصناعة بمعنى الكلمة الواسع أي بما في ذلك التجارة وطرق المواصلات الخ.، حصلنا على الصورة التالية: المشاريع الكبرى 30588 من 3265623، أي 0.9% فقط. ولديها من العمال.5 ملايين و 700 ألف من 14 مليونا و400ألف أي 39.4%؛ ولديها 6ملايين و 600ألف حصان بخاري من 8 ملايين و 800ألف ، أي 75.3%؛ و1.2 مليون كيلواط من الطاقة الكهربائية من 1.5 مليون أي 77.2%.

في حوزة أقل من 1% من المشاريع أكثر من 75% من مجموع كمية الطاقة البخارية والكهربائية ! وثمة 297 ألف من المشاريع الصناعية الصغيرة (حتى 5 من العمال الأجراء) تؤلف 91% من مجموع المشاريع لا تزيد حصتها عن 7% من مجموع الطاقة البخارية والكهربائية ! عشرات الألوف من المشاريع الكبرى – كل شيء؛ والملايين من المشاريع الصغرى – لاشيء.

في سنة 1907 كان في ألمانيا 576 من المشاريع يشتغل في كل منها ألف عامل وما فوق. وكان لديها نحو عُشر مجموع عدد العمال (1370000) ونحو ثلث (32%) من مجموع الطاقة البخارية والكهربائية(1). وسنرى أن الرأسمال النقدي والبنوك تجعل تفوق هذه الحفنة من المشاريع الكبرى ساحقا لدرجة أكبر، ساحقا بالمعنى الحرفي للكلمة، أي أن الملايين من « أصحاب الأعمال » الصغار والمتوسطين وحتى قسما من الكبار يجدون أنفسهم في الواقع مستعبدين بصورة تامة لبضع مئات من الماليين أصحاب الملايين.

ونمو تمركز الإنتاج أشد في بلد متقدم آخر من بلدان الرأسمالية الحديثة، في الولايات المتحدة بأمريكا الشمالية. في هذه البلاد تتعمد الإحصاءات إبراز الصناعة بمعنى الكلمة الضيق وتصنيف المشاريع حسب مقادير قيمة الإنتاج السنوي. ففي سنة 1904 وجد من المشاريع الضخمة التي يبلغ إنتاج كل منها مليون دولار وما فوق 1900 (من 216180، أي 0.9%) لدينا 1.4 مليون من العمال (من 5.5 مليون، أي 25.6%) وقيمة إنتاجها 5.6 مليارات (من 14.8 مليار، أي 38%). وبعد مضي خمس سنوات، في سنة 1909، كانت الأرقام على النحو التالي: 3060 مشروعا (من 278491، أي 1.1%) لديها من العمال مليونان (من 6.6 مليون، أي 30.5%) وقيمة إنتاجها 9 مليارات (من 20.7 مليار، أي 43.8%)(2).

إن نحو نصف مجموع ما تنتجه جميع المشاريع في البلاد في أيدي جزء من مئة جزء من مجموع عدد المشاريع ! وهذه المشاريع العملاقة الثلاثة آلاف تشمل 258 من فروع الصناعة. ويتضح من ذلك أن التمركز، عند درجة معينة من تطوره، يوصل بحد ذاته إلى الاحتكار، ويمكن القول، إلى الاحتكار عن كثب. لأن من السهل على بضع عشرات من المشاريع العملاقة أن تتفق فيما بينها: ومن الجهة الأخرى، أن إعاقة المزاحمة والميل إلى الاحتكار ينشآن بالضبط عن ضخامة حجم المشاريع. وصيرورة المزاحمة والميل إلى الاحتكار هي ظاهرة من أهم الظواهر – إن لم تكن الأهم – في اقتصاد الرأسمالية الحديثة، وينبغي علينا أن نتناولها بمزيد من التفصيل. ولكن ينبغي علينا في بادئ الأمر أن نزيل ما قد يمكن من سوء الفهم.

تقول الإحصاءات الأمريكية: 3000 من المشاريع العملاقة في 250 من الفروع الصناعية. وقد يتبادر إلى الذهن كأن هناك 12 من المشاريع العملاقة فقطفي كل فرع.

ولكن الأمر ليس كذلك، فالمشاريع الكبيرة لا توجد في كل فرع من فروع الصناعة؛ ومن الجهة الأخرى، أن من أهم خواص الرأسمالية التي بلغت أعلى مراحل تطورها ما يسمى بالتركيب، أي تجمع في مشروع واحد لفروع صناعية مختلفة تؤلف إمّا درجات متوالية من تلييف الخدمات (مثلا: صهر معدن الحديد وتحويل الزهر إلى فولاذ أو ربما كذلك إنتاج هذه أو تلك من المصنوعات الجاهزة من الفولاذ)، وأمّا أن يقوم احدها بدور مساعد للآخر (مثلا: الاستفادة من الفضلات أو من المنتوجات الثانوية؛ إنتاج مواد التعبئة، الخ.).

وقد كتب هيلفردينغ: « التركيب يسوي اختلافات الأحوال في الأسواق، لذلك يضمن للمشاريع المركبة معدلا من الربح أكثر ثباتا، والتركيب يفضي، ثانيا، إلى إزاحة التجارة. وهو، ثالثا، يجعل من الامكان الرقي التكنيكي، وبالتالي الحصول على ربح إضافي بالمقارنة مع المشاريع « الساده » (أي غير المركبة). وهو، رابعا، يعزز موقف المشروع المركب بالمقارنة مع « الساده »، إذ يقويه في صراع المزاحمة في حالة انحطاط قوي (ركود في الأعمال، أزمة)، عندما يكون انخفاض أسعار الخدمات أقل من انخفاض أسعار المنتوجات الجاهزة »(3).

إن الاقتصاد البرجوازي الألماني هيمان الذي كرس مؤلفا خاصا لوصف المشاريع « المختلطة » أي المركبة – في صناعة التعدين الألمانية يقول: « تهلك المشاريع الساده مسحوقة بين ارتفاع أسعار الخدمات وانخفاض أسعار المنتوجات الجاهزة ». ويكون الحاصل الصورة التالية:

« لقد بقيت، من جهة، كبريات شركات الفحم الحجري التي تستخرج من الفحم عدة ملايين من الأطنان والمتراصة التنظيم في سينديكات الفحم الحجري؛ ثم معامل صهر الفولاذ الضخمة المرتبطة بها ارتباطا وثيقا والتي تنظم في سنديكات الفولاذ. إن هذه المشاريع الهائلة التي تنتج 400 ألف طن من الفولاذ في العام والتي تستخرج كميات هائلة من المعادن والفحم الحجري وتنتج المصنوعات الجاهزة من الفولاذ وتستخدم 10 ألف عامل يعيشون في ثكنات بلدات المعامل والتي تملك في بعض الأحيان سككها الحديدية وموانئها هي الممثل النموذجي لصناعة التعدين الألمانية. ويسير التمركز أبدا إلى الأمام. يتضخم بعض المشاريع: يتراص عدد متزايد من المشاريع فرع صناعي بعينه أو فروع صناعية مختلفة ضمن مشاريع ضخمة تجد سندا لها ومرشدا في نصف دزينة من البنود البرلينية الكبرى. وفيما يخص صناعة الاستخراج الألمانية أقيم البرهان بصورة دقيقة على صحة تعاليم كارل ماركس بصدد التمركز؛ صحيح أن هذا يتعلق ببلاد تحمي صناعتها الرسوم الجمركية الوقائية وتعريفات النقل. إن صناعة الاستخراج الألمانية قد نضجت للمصادرة »(4).

هذا هو الاستنتاج الذي كان لا بد من أن يخلص إليه اقتصادي برجوازي، سليم النية كأمر استثنائي. تجدر الإشارة إلى أنه كأنما يبرز كحالة خاصة، نظرا لأن التعريفات الجمركية المرتفعة تحمي صناعتها. بيد أن كل ما تستطيعه هذا الظرف هو تعجيل التمركز وتشكيل اتحادات أصحاب العمل الاحتكارية، الكارتيلات والسنديكات والخ.. وما هو في منتهى الأهمية واقع أن التمركز في بلاد التجارة الحرة، انجلترا، يفضي كذلك إلى الاحتكار، وإن يكن بصورة أبطأ وربما بشكل آخر. وإليكم ما يقوله البروفيسور هرمن ليفي في مبحث خاص تناول فيه « الاحتكارات والكارتيلات والتروستات » على أساس معلومات عن التطور الاقتصادي في بريطانيا العظمى:

« إن الميل إلى الاحتكار في بريطانيا العظمى، بالضبط، في ضخامة حجم المشاريع وعلو مستواها التكنيكي. فالتمركز قد أفضى، من جهة، إلى أن المشاريع غدت تقتضي إنفاق الرساميل بمبالغ طائلة، ولذا تجد المشاريع الجديدة نفسها إزاء طلبات متزايدة فيما يخص مقدار الرأسمال الضروري، وهذا ما يعيق ظهورها. ومن الجهة الأخرى (ونعتبر هذا الأمر أكبر أهمية) ينبغي على كل مشروع جديد يريد أن يضارع المشاريع الهائلة التي أنشأها التمركز أن ينتج كمية هائلة من المنتوجات الفائضة بحيث لا يمكن بيعها بصورة مفيدة إلاّ في حالة ازدياد الطلب وازديادا خارقا، وفي الحالة المعاكسة يخفض من المنتوجات الأسعار إلى مستوى ليس في مصلحة المعمل الجديد ولا في مصلحة الاتحادات الاحتكارية ». وخلافا للبلدان الأخرى التي تسهل فيها التعريفات الجمركية الوقائية تشكل الكارتيلات، لا تنشأ في انجلترا، في أكثرية الحالات، اتحادات أصحاب الأعمال الاحتكارية، الكارتيلات والتروستات، الا عندما ينحصر عدد المشاريع الرئيسية المتنافسة « في دزينتين فقط ». « إن تأثير التمركز على نشوء الاحتكارات في الصناعة الضخمة يظهر هنا بصفاء البلور »(5).

لنصف قرن مضى، عندما كتب ماركس مؤلفه « رأس المال » كانت المزاحمة الحرة تبدو « قانونا طبيعيا » في نظر الأكثرية الكبرى من الاقتصاديين. وقد حاول العلم الرسمي أن يقتل عن طريق مؤامرة الصمت مؤلف ماركس الذي برهن بتحليله النظري والتاريخي للرأسمالية على أن المزاحمة الحرة تولد تمركز الإنتاج وعلى أن هذا التمركز يفضي، عند درجة معينة من تطوره، إلى الاحتكار. وقد غدا الاحتكار الآن أمرا واقعا. والاقتصاديون يكتبون أكواما من الكتب واصفين فيها هذه الظاهرة أو تلك من مظاهر الاحتكار ومواصلين الصراخ بنغم واحد: « لقد دحضت الماركسية ». ولكن الوقائع أشياء عنيدة كما يقول المثل الانجليزي ولابد للمرء من أن يحسب لها الحساب شاء أم أبى. والوقائع تظهر أن التباين بين مختلف البلدان الرأسمالية من حيث الحماية أو التجارة الحرة مثلا لا ينشأ عنه إلاّ تباين لا شأن له في شكل الاحتكارات أو في زمن نشوئها، في حين أن نشوء الاحتكارات عن تمركز الإنتاج هو القانون العام والأساسي في المرحلة الحديثة من تطور الرأسمالية.

ومن الممكن، بالنسبة لأوروبا، أن يحدد بدقة كبيرة زمن حلول الرأسمالية الحديثة نهائيا محل القديمة. إنه، بالضبط، أوائل القرن العشرين. ونقرأ في مؤلف من أحدث المؤلفات التلخيصية في تاريخ « تشكل الاحتكارات »:

« إن المرحلة السابقة لسنة 1860 تعطي بعض الأمثلة عن الاحتكارات الرأسمالية؛ ومن الممكن أن تكتشف فيها الصور الجنينية للأشكال التي غدت الآن مألوفة تماما، ولكن لا ريب في أن كل ذلك هو بالنسبة للكارتيلات عهد ما قبل التاريخ. إن البداية الحقيقية للإحتكارات الحديثة تقع على أبعد حد في سنوات العقد السابع من القرن التاسع عشر. فالمرحلة الهامة الأولى لتطور الاحتكارات تبتدئ من الانحطاط الصناعي العالمي في العقد الثامن من القرن الماضي وتمتد إلى بداية العقد العاشر ». « وإذا بحثنا الأمر على النطاق الأوروبي، وجدنا تطور المزاحمة الحرة قد بلغ أوجه في سنوات العقدين السابع والثامن. ففي ذلك الحين أنجزت انجلترا تنظيمها الرأسمالي على النمط القديم. وفي ألمانيا دخل هذا التنظيم في صراع فاصل مع الصناعتين الحرفية والمنزلية وبدأ ينشئ لنفسه أشكال وجوده ».

« لقد بدأ انقلاب كبير منذ أزمة سنة 1873، أو بالأصح، منذ الركود الذي تبعها والذي يملأ 22 سنة من التاريخ الاقتصادي الأوروبي باستثناء انقطاع لا يكاد يلاحظ في مستهل العقد التاسع ونهوض خارق القوة إلاّ أنه قصير وقع سنة 1889 ». « وفي أثناء مرحلة النهوض القصيرة في سنتي 1889-1890 استخدمت الكارتلات بصورة واسعة للاستفادة من أحوال السوق. إن سياسة غير بصيرة جعلت الأسعار تقفز أسرع وأعلى مما كان حدث في حالة عدم وجود الكارتيلات، وقد هلك معظم هذه الكارتيلات بصورة مزرية في « قبر الانهيار ». لقد تلت ذلك خمس سنوات أخرى من الأحوال السيئة والأسعار المنخفضة، بيد أن الحالة النفسية لم تعد ذاتها في الصناعة. فالركود لم يعد ليعتبر أمرا بديهيا، إذ لم يعودوا يرون فيه إلاّ وقفة قبل أحوال جديدة ملائمة.

وها قد دخلت حركة تشكيل الكارتيلات عهدها الثاني. فبعد أن كانت الكارتيلات ظاهرة عرضية، أخذت تصبح أساسا من أسس الحياة الاقتصادية بأكملها. وهي تكتسب فرعا من فروع الصناعة بعد آخر وفي الدرجة الأولى فرع تكييف المواد الخام. وفي مستهل سنوات العقد العاشر وضعت الكارتيلات، بتنظيمها لسينديكا الكوك التي نظمت على طرازها فيما بعد سينديكا الفحم، آلية لتنظيم الكارتيلات لم تمض أبعد منها في الجوهر. أن النهضة الكبيرة في نهاية القرن التاسع عشر وأزمة سنوات 1900-1903 قد جرتا لأول مرة وبصورة تامة تحت شارة الكارتيلات، على الأقل في صناعتي الاستخراج والتعدين. وإذا كان قد غدا الآن في نظر الرأي العام الواسع أمرا بديهيا أن رفعت أهم أقسام الحياة الاقتصادية، كقاعدة عامة، من المزاحمة الحرة فإن ذلك قد بدا آنئذ كشيء جديد »(6).

إن النتائج الأساسية لتاريخ الاحتكارات هي، إذن، الآتية: 1) سنوات العقد السابع والثامن من القرن الماضي هي قمة، ذروة تطور المزاحمة الحرة. لم تكن الاحتكارات غير أجنة بالكاد تلاحظ. 2) بعد أزمة سنة 1873 جاءت مرحلة نادرة ولم تكن وطيدة بعد. إنها ما تزال ظاهرة عرضية. 3) نهضة أواخر القرن التاسع عشر وأزمة سنوات 1900-1903: تصبح الكارتيلات أساسا من أسس الحياة الاقتصادية بأكلها. تحولت الرأسمالية إلى إمبريالية.

تتفق الكارتيلات فيما بينها على شروط المبيع وآجال الدفع وغير ذلك. وهي تقتسم مناطق التصريف، وهي تحدد كمية المنتوجات وهي تعين الأسعار، وهي توزع الأرباح بين مختلف المشاريع وهلم جرا.

لقد بلغ عدد الكارتيلات في ألمانيا على وجه التقريب 250 في سنة 1896 و385 في سنة 1905 تضم حوالي 12 ألف مؤسسة(7). ولكن الجميع يعترفون بأن حتى الـ12 ألف من المشاريع الضخمة تملك وحدها، على ما يبدو، أكثر من نصف مجموع كمية الطاقة البخارية والكهربائية. وقدّر عدد التروستات في الولايات المتحدة بأمريكا الشمالية بـ175 في سنة 1900 وبـ250 في سنة 1907. وتقسم الإحصاءات الأمريكية جميع المشاريع الصناعية إلى ملك لأفراد أو لشركات أو لاتحادات. وكانت هذه الأخيرة تملك في سنة 1904 70.6% وفي سنة 1909 25.9%، أي أكثر من ربع مجموع عدد المشاريع. وكانت تستخدم من العمال في سنة 1904 70.6% وفي سنة 1909 75.6%، أي ثلاثة أرباع المجموع؛ وكانت قيمة إنتاجها في السنتين المذكورتين 10.9 مليار دولار و16.3 مليار دولار، أي 73.7 % و79.0% من المبلغ الإجمالي.

وغالبا ما تتركز في أيدي الكارتيلات والتروستات سبعة أو ثمانية أعشار مجموع الإنتاج في فرع من فروع الصناعة. فسينديكا فحم إقليم الرين-فيستفاليا كانت، عندما تشكلت في سنة 1893، تركز في يدها 86.7% من مجموع إنتاج الفحم في الإقليم، أما في سنة 1910 فقد غدت تركز 95.4%(8). والاحتكار الذي يتكون على هذه الصورة يؤمن المداخيل الطائلة ويؤدي إلى تشكيل وحدات إنتاجية تكنيكية هائلة الحجم. إن تروست النفط الشهير (Standad Oil Company) في الولايات المتحدة قد تأسس في سنة 1900. « وقد بلغ رأسماله 150 مليون دولار. وأصدرت الأسهم العادية بمبلغ 100 مليون والأسهم الممتازة بمبلغ 106 مليون. ودفع لهذه الأخيرة من العائدات في سنوات 1900-1907: 48%، 48%، 45%، 44%، 36%، 40%، 40%، 40%، أي ما مجموعه 367 مليون دولار. ومن سنة 1882 إلى سنة 1907 بلغ الربح الصافي 889 مليون دولار وزع منها على حملة الأسهم 7.7 ملايين وسجل الباقي رأسمالا احتياطيا »(9). « وفي سنة 1907 كان في جميع معامل تروست الفولاذ (United Stats Steel Corporation) ما لا يقل عن 210180 من العمال والمستخدمين. وفي سنة 1908 كان أكبر مشروع في صناعة الاستخراج الألمانية، شركة مناجم غيلسنكيرخين يستخدم 46048 من العمال والمستخدمين »(10). وفي سنة 1902، كان تروست الفولاذ ينتج 9 ملايين طن من الفولاذ(11). وبلغ ما أنتجه من الفولاذ 66.3% في سنة 1901 و56.1% في سنة 1908 من مجموع إنتاج الفولاذ في الولايات المتحدة(12)، وما استخرجه من المعادن في السنتين المذكورتين 43.9% و46.3%.

لقد جاء في تقرير اللجنة الحكومية الأمريكية عن التروستات: « إن تفوقها على المزاحمين يستند إلى ضخامة حجم مشاريعها وإلى تجهيزها التكنيكي الممتاز. فتروست التبغ قد بذل كل جهوده منذ تأسيسه ليحل العمل الآلي محل العمل اليدوي في نطاق واسع وفي جميع الميادين. وقد اشترى لهذا الغرض جميع براءات اختراع التي لها أية علاقة بتحضير التبغ وأنفق على ذلك مبالغ طائلة. وتبين أن الكثير من هذه الاختراعات كان في بادئ الأمر غير صالح وتأتى على المهندسين المستخدمين في التروست ضبطها. وفي أواخر سنة 1906 أنشئت شركتان فرعيتان هدفهما الوحيد شراء براءات الاختراع. وللعرض ذاته أنشأ التروست مصانع الصهر ومصانع الماكينات وورشات التصليح. وإحدى هذه المؤسسات، في بروكلين، تستخدم 300 عامل بالمتوسط، وفيها تجري تجربة الاختراعات وتحسينها لصنع السجائر والنوع الصغير من السيكار والنشوق وأوراق القصدير للف والعلب وغير ذلك(13) ». « والتروستات الأخرى تستخدم كذلك ما يسمى (المهندس لتطوير التكنيك)؛ ومهمتهم إيجاد أساليب جديدة للإنتاج وتجربة التحسينات التكنيكية. ويدفع تروست الفولاذ لمهندسيه وعماله جوائز عالية لقاء كل اختراع يحسن التكنيك أو يخفض التكاليف »(14).

وعلى النمط نفسه نظمت قضية التحسينات التكنيكية في الصناعة الألمانية الكبيرة، مثلا في الصناعة الكيميائية التي تطورت بصورة هائلة خلال عشرات السنين الأخيرة. فإن تمركز الإنتاج قد أنشأ في هذه الصناعة نحو سنة 1908 « فريقين » رئيسيين جنحا كذلك، على طريقتهما، إلى الاحتكار. ففي بادئ الأمر، كان هذان الفريقان « تحالفين مزدوجين » بين زوجين من أضخم المعامل رأسمال كل منهما من 20-21 مليون مارك: من جهة معامل مايستر السابق في هوخست وكاسيله في فرانكفورت على الماين؛ ومن الجهة الأخرى معمل الأنيلين والصودا في لودفيغسهافن ومعمل باير السابق في إيلبيرفيلد. ثم، في سنة 1905، عقد أحد الفريقين وفي سنة 1908 عقد الفريق الآخر، كل على انفراد، اتفاقا مع معمل كبير آخر. فكانت النتيجة ظهور « تحالفين ثلاثيين » رأسمال كل منهما من 40-50 مليون مارك فبدأ بين هذين « التحالفين » « التقارب » و« التفاهم » حول الأسعار وغير ذلك(15).

المزاحمة تتحول إلى احتكار. وينتج عن ذلك تقدم هائل في اتخاذ الإنتاج صبغة اجتماعية، بما في ذلك أيضا ميدان الاختراعات والتحسينات التكنيكية.

إنه حال يختلف كل الاختلاف عن المزاحمة الحرة القديمة بين أصحاب أعمال مبعثرين لا يعلم أحدهم شيئا عن أحوال الآخر وينتجون للتصريف في سوق مجهولة. لقد بلغ التمركز حدا غدا معه في الإمكان إجراء جرد تقريبي لجميع مصادر الخامات (مثلا مصادر معدن الحديد) في بلاد معينة أو حتى، كما سنرى، في جملة من البلدان وفي العالم بأسره. ولا يقتصر الأمر على إجراء هذا الجرد، بل وتضع اتحادات احتكارية هائلة أيديها على هذه المصادر وتستولي عليها. ويجري حساب تقريبي لاستيعاب الأسواق التي « تقسمها » هذه الاتحادات فيما بينها على أساس العقود. تحتكر الأيدي العاملة المدربة وتستأجر نخبة المهندسين ويستولي على طرق ووسائط المواصلات – السكك الحديدية في أمريكا، شركات البواخر في أوروبا وأمريكا. فالرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية توصل رأسا إلى إعطاء الإنتاج صبغة اجتماعية شاملة، وهي تجر الرأسماليين، إن أمكن القول، رغم إرادتهم وإدراكهم، إلى نظام اجتماعي جديد، انتقالي من حرية المزاحمة التامة إلى الاصطباغ التام بالصبغة الاجتماعية.

يغدو الإنتاج اجتماعيا، ولكن التملك يبقى خاصا. تظل وسائل الإنتاج الاجتماعية ملكا خاصا لعدد ضئيل من الأفراد. يبقى الإطار العام للمزاحمة الحرة المعترف بها شكليا، ويغدو ظلم حفنة الاحتكاريين لبقية السكان أثقل وأشد بمائة مرة.

لقد كرس الاقتصاد الألماني كستنر مؤلفا خاصا لموضوع « الصراع بين الكارتيلات والدخلاء »، أي أصحاب الأعمال غير المنتظمين للكارتلات. وقد أسمى هذا الكتاب « الإجبار على التنظيم »، في حين كان ينبغي الحديث عن الإجبار على الخضوع لاتحادات الإحتكاريين، وذلك طبعا لكيلا تطلى الرأسمالية بالمساحيق. ومن المفيد أن نلقي نظرة ولو على قائمة الوسائل التي تلجأ إليها اتحادات الاحتكاريين في الصراع الراهن، الحديث، المتمدن، من أجل « التنظيم »: 1) الحرمان من المواد الخام (« …طريقة من أهم طرق الإجبار على الانضمام إلى الكارتيل »)؛ 2) الحرمان من الأيدي العاملة عن طريق « الائتلافات » (أي العقود بين الرأسماليين ونقابات العمال بشأن عدم قبول هذه الأخيرة العمل إلاّ في المشاريع المنظمة إلى الكارتيلات)؛ 3) الحرمان من وسائط النقل؛ 4) الحرمان من أسواق التصريف؛ 5) عقود مع الشارين بشأن عدم إقامة العلاقات التجارية إلاّ مع الكارتيلات وحدها؛ 6) تخفيض الأسعار بصورة منظمة (ليفلس « الدخلاء »، أي المشاريع غير الخاضعة للاحتكاريين؛ تنفق الملايين للبيع بأقل من التكاليف خلال زمن معين: فقد حدثت فترات خفضت فيها الأسعار في صناعة البنزين من 40 إلى 22 ماركا، أي نحو النصف ! 7) الحرمان من التسليف؛ 8) إعلان المقاطعة.

إن ما نراه ليس بصراع بالمزاحمة بين مشاريع صغيرة وكبيرة، متأخرة التكنيك وراقية التكنيك. إن ما نراه هو خنق الاحتكاريين للذين لا يخضعون للاحتكارات ولظلمها وعسفها. وإليكم صورة انعكاس هذه العملية في ذهن اقتصادي برجوازي:

كتب كستنر: « وحتى في ميدان النشاط الاقتصادي الصرف يجري بعض التحول من النشاط التجاري بمعنى الكلمة السابق إلى نشاط المضاربة التنظيمي. ومن يحرز النجاح الأكبر ليس التاجر الذي تتيح له خبرته الفنية والتجارية أن يحرز على خير وجه حاجات المشترين، أن يجد وأن « يكتشف »، إن أمكن القول، الطلب الموجود في حالة خفية، بل العبقري في المضاربة ( ؟ !) القادر على أن يحسب مقدما أو، على الأقل، أن يحس تطور التنظيم والصلات المحتملة بين هذه أو تلك من المشاريع أو البنوك… ».

ومعنى ذلك إذا ترجم إلى لغة الناس أن تطور الرأسمالية قد بلغ حدا تقوض فيه الإنتاج البضاعي فعلا وإن كان ما زال « سائدا » كالسابق وما زال يعتبر أساسا للاقتصاد كله، وتصبح فيه الأرباح الرئيسية من نصيب « عباقرة » الملاعيب المالية. وتقوم هذه الملاعيب والاحتيالات على أساس اكتساب الإنتاج للصفة الاجتماعية، ولكن تقدم البشرية الهائل التي توصلت بعملها إلى حد اكتساب الإنتاج للصفة الاجتماعية يصبح مفيدا… للمضاربين. وسنرى فيما يأتي كيف أن نقاد الإمبريالية الرأسمالية من صغار البرجوازيين الرجعيين يحملون « على هذا الأساس » بالعودة إلى الوراء، إلى المزاحمة « الحرة »، « السلمية »، « الشريفة ».

يقول كستنر: « إن ارتفاع الأسعار مدة طويلة كنتيجة لتشكل الكارتيلات لم يلاحظ حتى الآن إلاّ فيما يخص أهم وسائل الإنتاج، ولاسيما الفحم الحجري والحديد والقلى، وبالعكس، لم يلاحظ أبدا فيما يخص المنتوجات الجاهزة. والارتفاع في العائدات الناشئ عن ذلك قد اقتصر أيضا على صناعة وسائل الإنتاج. وينبغي أن نضيف إلى هذه الملاحظة أن صناعة تكييف المواد الخام (لا المصنوعات نصف الجاهزة)، عدا أنها تجني – بفضل تشكل الكارتيلات – الفوائد بشكل أرباح مرتفعة لما فيه خسارة الصناعة المشغولة بإكمال المصنوعات نصف الجاهزة، قد اكتسب حيال هذه الصناعة نوعا من السيطرة لم يكن لها وجود في زمن المزاحمة الحرة »(16).

إن الكلمات التي أشرنا إليها تبين كنه القضية الذي لا يعترف به الاقتصاديون البرجوازيون إلاّ نادرا وبغير رغبة والذي يسعى إلى تجنبه وإهماله جهد طاقتهم المدافعون الحاليون عن الانتهازية وعلى رأسهم كارل كاوتسكي. فعلاقات السيطرة والقسر الناجم عنها هو ما يميز « المرحلة الحديثة في تطور الرأسمالية »، هو ما كان لا بد أن ينتج وما نتج فعلا عن تشكل الاحتكارات الاقتصادية الكلية القدرة.

لنذكر مثلا آخر عن سيطرة الكارتيلات. إن نشوء الكارتيلات وتشكل الاحتكارات هو أمر في غاية السهولة حيث يمكن الاستيلاء على جميع مصادر الخامات أو على القسم الرئيسي من هذه المصادر. ولكن من الخطأ الظن أن الاحتكارات لا تنشأ كذلك في الفروع الصناعية الأخرى التي لا يمكن فيها الاستيلاء على مصادر الخامات. فصناعة الأسمنت تجد الخامات في كل مكان. بيد أن الكارتيلات قد اتحدت المعامل في سينديكات اقليمية: سينديكات جنوب ألمانيا وسينديكات إقليمي الرين-فيستفاليا والخ.. والأسعار هي أسعار الاحتكارات: 230-280 ماركا قيمة عربة القطار في حين أن تكاليفها 180 ماركا ! وتعطي المشاريع 12-16% لحملة الأسهم؛ ولكن لا ينبغي أن ننسى أن « عباقرة » المضاربة العصرية يحسنون توجيه مبالغ من الأرباح إلى جيوبهم فضلا عما يوزع على حملة الأسهم. وبغية إزاحة المزاحمة من صناعة تدر مثل هذه الأرباح لا يحجم الاحتكاريون حتى عن الأحابيل: ينشرون إشاعات كاذبة عن سوء الحال في الصناعة، ينشرون في الصحف إعلانات مغفلة: « أيها الرأسماليون ! حذار أن توظفوا رؤوس أموالكم في صناعة الأسمنت »، وأخيرا يشترون معامل « الدخلاء » (أي غير المنضمين إلى السينديكات)، ويدفعون لهم « خلوّا » 60-70-150 ألف مارك(17). يشق الاحتكار طريقه في كل مكان وبكل الوسائل، ابتداء من دفع الخلوّ « المتواضع » وانتهاء « بتطبيق » الطريقة الأمريكية لنسف المزاحم بالديناميت.

أمّا قضاء الكارتيلات على الأزمات فهو قصة اختلقها الاقتصاديون البرجوازيون الذين يسعون وراء طلي الرأسمالية بالمساحيق مهما كلف الأمر. بالعكس، إن الاحتكار، عندما ينشأ في بعض الفروع الصناعية، يشدد ويزيد الفوضى التي تلازم الإنتاج الرأسمالي بأكمله. فعدم التناسب بين تطور الزراعة والصناعة، الأمر المميز للرأسمالية بوجه عام، يزداد لدرجة أكبر. إذ أن الوضع الممتاز الذي تجد فيه نفسها الصناعة الأكثر تنظيما في الكارتيلات، ما يسمى بالصناعة الثقيلة، ولاسيما صناعة الفحم والحديد، يفضي، في الفروع الصناعية الأخرى، إلى « انعدام المنهاجية لدرجة أشد » كما يعترف ييدلس الذي وضع كتابا من أحسن الكتب عن « العلاقات بين البنوك الألمانية الكبرى والصناعة »(18).

وقد كتب ليفمن، المدافع عن الرأسمالية دون حياء: « كلما كان الاقتصاد الوطني أكثر تطورا، كلما اتجه نحو المشاريع التي تنطوي على المجازفة أو الموجودة في الخارج، نحو المشاريع التي تحتاج لتطورها زمنا طويلا أو، أخيرا، نحو تلك التي لا يتعدى أهميتها النطاق المحلي »(19). إن ازدياد المجازفة ينشأ في نهاية الأمر عن ازدياد الرأسمال ازديادا هائلا فيفيض، إن أمكن القول، ويتدفق إلى الخارج والخ.. ثم إن تنامي التكنيك بسرعة متزايدة يسفر عن مزيد ومزيد من عناصر عدم التناسب بين مختلف نواحي الاقتصاد الوطني، ومن الفوضى والأزمات. وقد اضطر ليفمن ذاته إلى الاعتراف قائلا: « ربما كان على البشرية أن تواجه مرة أخرى في المستقبل القريب انقلابات كبيرة في حقل التكنيك سيكون لها تأثيرها كذلك على التنظيم الاقتصادي الوطني »… الكهرباء، الطيران…« وفي المعتاد وكقاعدة عامة تشتد المضاربة بقوة في أزمنة التغيرات الاقتصادية الجذرية… »(20).

والأزمات بأنواعها – الاقتصادية في الأغلب، ولكن ليست اقتصادية وحدها – تشدد بدورها، في نطاق واسع، الميل إلى التمركز وإلى الاحتكار. وهاكم أراء ييدلس بليغة الدلالة عن أهمية أزمة سنة 1900، الأزمة التي كانت، كما نعلم، نقطة تحول في تاريخ الاحتكارات الحديثة:

« وحين تفجرت أزمة 1900 كان هناك، إلى جانب المشاريع الهائلة في الفروع الصناعية الرئيسية، عدد كبير من المشاريع ذات التنظيم المتأخر حسب المفهوم الحالي، مشاريع « ساده » » (أي غير المركبة) « رفعتها إلى أعلى موجة النهضة الصناعية. فهبوط الأسعار وانخفاض الطلب قد ساقا هذه المشاريع « الساده » إلى حال من الشدة لم تمس المشاريع الهائلة المركبة بتاتا أو مستها لفترة قصيرة جدا. وبنتيجة ذلك أدت أزمة سنة1900 إلى التمركز الصناعي بمقاييس أكبر جدا من أجمة سنة 1873: فهذه الأخيرة قامت أيضا بنوع من الاصطفاء لأحسن المشاريع، ولكن هذا الاصطفاء لم يمكنه، مع مستوى التكنيك في ذلك العهد، ان يسفر عن احتكار تلك المشاريع التي خرجت من الأزمة ظافرة، وهذا الاحتكار المديد والمتطور جدا هو بالضبط ما تملكه – بفضل تكنيكها المعقد منتهى التعقيد وتنظيمها الدقيق للغاية وقوة رأسمالها – المشاريع الهائلة في صناعتي الحديد والكهرباء الراهنتين ثم، لدرجة أقل، مشاريع صناعة بناء الماكينات وبعض فروع صناعة التعدين وطرق المواصلات وغير ذلك »(21).

الاحتكار هو آخر كلمة لـ« أحدث المراحل في تطور الرأسمالية ». ولكن تصورنا لمدى قوة وأهمية الاحتكارات الحديثة يكون غير واف أبدا وغير تام، ومنقوصا إن لم نأخذ بعين الاعتبار دور البنوك.

 


(1) الأرقام منAnnalen des deutschen Reichs, 1911 Zahn (المجلة السنوية للدولة الألمانية، سنة 1911، تسان. الناشر
 

(2) Statistical Abstract Of the United States 1912, p202(مجموعة إحصاءات الولايات المتحدة لسنة 1912، ص 202. الناشر)
 

(3) « الرأسمال المالي »، الترجمة الروسية، ص ص 286-287.
 

(4) Hans Gideon Heymann. « Die gemischten Werke im deutschen Grobeisengewerbe ». Stuttgart, 1904 (SS. 256, 278-279)(هانس غيديون هيمان. « المشاريع المختلطة في صناعة التعدين الألمانية الضخمة ». شتوتغارت، سنة 1904 (ص ص 256، 278-279). الناشر
 

(5) Hermann Levy « Monopole, Kartelle und Trusts ». Jena 1909, » SS. 286, 290, 298.. (هرمن ليفي. « الاحتكارات والكارتيلات والتروستات ». يينا، سنة 1909، ص ص 286، 297. الناشر)
 

(6) Te Vogelstein. « Die finanzielle Organisation der Kapitalistischen Industrie und die Monopolbildungen » « Grundrib der Sozialökonomik » في VI Abt., 1914 (ت. فوغلشتين. « التنظيم المالي للصناعة الرأسمالية وتشكل الاحتكارات » في « أسس الاقتصاد الاجتماعي ». الفصل السادس، توبتغين، 1914. الناشر.) قارنوا الكتاب للمؤلف نفسه: « Organisationsformen der Eienindustrie und Textilindustrie in England und Amerika » Bd. I, Lpz, 1910الأشكال التنظيمية لصناعتي التعدين والنسيج في انجلترا وأمريكا. المجلد الأول، ليبزيغ، 1910. الناشر).
 

(7) Dr. Riesser « Die deutschen Grobbanken und ihre Konzentrtion im Zusammenhange mit der Entwicklung der Gesamtwirtschaft in Deutschland ». 4 Aufl., 1912, S. 149. R. Liefmann/ « Kartelle und Trusts und die Weiterbildung der volkswirtechaftlichen Organisation ». 2. Aufl. 1910, S. 25الدكتور ريسر. « البنوك الألمانية الكبيرة وتمركزها بالاتصال مع التطور الاقتصادي العام في ألمانيا ». الطبعة الرابعة، سنة 1912، ص 149. – ر. ليفمن. « الكارتيلات والتروستات واطراد تطور تنظيم الاقتصاد الوطني ». الطبعة الثانية، سنة 1910، ص 25. الناشر)
 

(8) Dr Fritz Kestner. « Der Organisatonszwang. Eine Untersuchung über die Kämpfe zwischen Kartellen und Aubenseitern ». Brl., 1912 ص 11 (الدكتور فريتس كستنر. « القسر على التنظيم. دراسة عن الصراع بين الكارتيلات والدخلاء » برلين. الناشر)
 

(9) R. Liefmann/ « Beteiligungs-und Finanzierungsgesellschaften. Eine Studie über den modernen Kapitalismus und das Effektenwesen ». I. Aufl. , Jena, 1909 ص 212 (ر. ليفمن. « شركات الاشتراك والتمويل. دراسة عن الرأسمالية الحديثة وعن دور الأوراق المالية ». الطبعة الأولى، يينا. الناشر)
 

(10) المصدر نفسه، ص 218.
 

(11) Dr. S/ Tschierschky. « Kartell und Trust ». Gött., 1903 ص 13 (الدكتور س. تشيرشكي. « الكارتيل والتروست ». غوتينغين. الناشر.).
 

(12) Th. Vogelstein. « Organisatiosformen، ص 275 (ت. فوغيلشتاين « الاشكال التنظيمية »، ص 275 الناشر).
 

(13) Report of the Commissioner of Corporation on the Tobacco Industry. Washington, 1909ص 226 (تقرير عضو اللجنة حول الاتحادات في صناعة التبغ. 1909 واشنطن. الناشر). وقد اقتبست الفقرة عن كتاب Dr. Paul Tafel/ « Die nordamerikanschen Trusts und ihre Wirkungen auf den Fortschritt der Technik ». Stuttgart, 1913 ص 48 (الدكتور بول تافيلا. « التروستات في أمريكا الشمالية وتأثيرها على تطور التكنيك ». شتوتغارت. الناشر).
 

(14) المصدر نفسه ص ص 48-49.
 

(15) Rieser ، الكتاب المذكور، ص 547 وما يليها، الطبعة الثالثة. وتفيد الصحف (يونيو 1916) عن إنشاء تروست جديد هائل الضخامة يوحد الصناعة الكيماوية الألمانية.
 

(16) كستنر. الكتاب المذكور. ص 254
 

(17) « Zement » von L. Eschwege. « Die Bank », 1909,1 ص 115 وما يليها (« الأسمنت » ل. ايشفيغه. مجلة « البنك ». الناشر).
 

(18) Jeidels/ « Das verhältnis der deutschen Grobanken zur Industrie mit besonderer Berücksichtigung der Eisenindustrie ». Lpz. , 1905، ص 271 (ييدلس. « العلاقات بين البنوك الألمانية الكبرى والصناعة ولاسيما صناعة التعدين » ليبزغ. الناشر).
 

(19) ليفمن… ص 434.
 

(20) ليفمن… ص ص 465-466
 

(21) Jeidels ، ص 108