توطئة

هذا المدخل إلى الماركسية هو نتاج تجارب دروس عديدة ألقيت في مناضلين شباب، في لحظات مختلفة من السنوات الخمس عشرة الأخيرة. وهو مرتبط بالاحتياجات التربوية التي لمسناها والتي قد تختلف من بلد إلى آخر ومن وسط إلى آخر. لذا لا ندّعي البتة أنه مدخل « نموذجي ».

وهو، فضلا عن كونه يتضمن العناصر الأساسية في نظرية المادية التاريخية والنظرية الاقتصادية الماركسية وتاريخ الحركة العمالية وقضايا استراتيجية الحركة العمالية المعاصرة وتكتيكها، يحتوي على « ابتكار » يبدو محيّرا للوهلة الأولى: فإن الفصل المتعلق بالديالكتيك المادي والفصل الذي يعرض عرضا منهجيا نظرية المادية التاريخية يردان في نهاية الكتاب وليس في بدايته.

طبعا، ليس هذا الابتكار « مراجعة منهجية »، بل هو عبرة مستمدة من ملاحظة اختبارية: أن عرضا حول الدياليكتيك يصلح فاتحة لمدرسة تكوين كوادر أكثر مما لمدرسة مناضلين مبتدئين. فهؤلاء يستوعبون النظرية بصورة أفضل إذا شُرحت لهم بشكل ملموس إلى أبعد حد ممكن. وانه لأفضل بالتالي الانطلاق مما يستطيع المرء التأكد منه مباشرة - التفاوت الاجتماعي، النضال الطبقي، الاستغلال الرأسمالي - وصولا إلى مفاهيم الديالكتيك الأكثر تجريدا وأساسية، بوصفها المنطق العام للحركة والتناقض، وذلك بعد توضيح حركة المجتمع والتناقضات التي تمزقه.

ليس في الأمر سوى اختيار مبني على خبرة تربوية شخصية. ومن البديهي أن تجارب أخرى قد تؤدي إلى استنتاجات مختلفة. هذا ونبقى على استعداد للعودة إلى بنية أكثر تقليدية لهذا المدخل، إذا أثبت لنا، على ضوء تجارب، أن طريقة العرض التقليدية تسمح لمناضلي القاعدة أن يستوعبوا جوهر الماركسية بصورة أفضل. بيد أننا نجيز لنفسنا أن نشك في هذا الأمر في الوقت الراهن.

إرنست ماندل