Neue Rheinische Zeitung

كارل ماركس

البرجوازية والثورة المضادة


كتبها كارل ماركس في ديسمبر 1848
نشرت في مجلة "Neue Rheinische Zeitung No. 165 " (الراينانية الجديدة) كولونيا 9 ديسمبر عام 1848
ترجمة : سعيد العليمي
التحرير الرقمي
: علي بطحة (فبراير 2023)


(1)

كولونيا 9 ديسمبر

اننا لم نخف ابدا حقيقة اننا لاننطلق من اساس قانونى، وانما من اساس ثورى. والان هجرت الحكومة من جانبها ادعاءها الكاذب بأن لها اساسا قانونيا. وقد اتخذت موقفها على اساس ثورى، لأن الاساس المضاد للثورة، هو ايضا، ثورى.

ينص القسم السادس من قانون 6 ابريل، 1848 على ان:

” الحق فى اقرار كل القوانين وكذلك تحديد الميزانية القومية وفرض الضرائب يختص به وفى كل الاحوال ممثلوا الشعب فى المستقبل. “

القسم الثالث عشر من قانون 8 ابريل، 1848، يقرأ على النحو التالى:

” ان الجمعية التى انعقدت على اساس هذا القانون قد دعيت لوضع الدستور بالاتفاق مع التاج لتمارس خلال دورتها صلاحيات الدايت (مجلس تشريعى. المترجم) الامبراطورى، وبصفة خاصة مايتعلق بفرض الضرائب. “

اما الحكومة فترسل جمعية المساومين هذه الى الشيطان، وتفرض مايسمى بالدستور [1] على البلاد وتقرر الضرائب التى رفض ممثلوا الشعب ان يمنحونها اياها.

ان ملحمة كامبهاوزن الايوبية، وهى نوع من مسرحية فكاهية قانونية فاخرة [2] بلغت نهايتها المفاجئة على يد الحكومة البروسية. وردا على ذلك واصل كامبهاوزن العظيم مؤلف هذه الملحمة ببرود تآمره فى فرانكفورت بوصفه مبعوثا لنفس هذه الحكومة البروسية، مواصلا مكائده مع رجال البازار فى صالح تلك الحكومة البروسية. هذا الكامبهاوزن هو الذى اخترع نظرية الاتفاق حتى يحفظ الاساس القانونى، اى، حتى يخدع الثورة اولا وقبل كل شئ بصدد الاحترام الواجب لها، واخترع فى ذات الوقت الالغام التى قدر لها فيما بعد ان تنسف الاساس القانونى ومعه نظرية الاتفاق.

لقد نهض هذا الرجل بأعباء تمرير الانتخابات غير المباشرة، التى تمخضت عن جمعية كان يمكن للحكومة، فى وقت التمرد المفاجئ، ان تصرخ فى وجهها: تأخرتم جدا! وقد استدعى امير بروسيا، رأس الثورة المضادة، بل ولجأ حتى لكذبة رسمية ليحول هروب الامير الى رحلة دراسية. [3] وهو لم يلغ القوانين البروسية القديمة التى تتناول القضايا السياسية ولا المحاكم القديمة. وفى ظل حكومته كسبت البيروقراطية والجيش الوقت للتعافى من الرعب الذى اصابهما، ليعيدوا تنظيم هيكلهم كاملا. لم يمس اى من الشخصيات القيادية فى النظام القديم بل تركت فى مراكزها. وواصلت البطانة فى ظل كامبهاوزن الحرب فى بوزنان، بينما واصل هو نفسه الحرب فى الدنمارك. لقد كان مقصودا ان تكون الحرب الدانماركية طريقا لاستنزاف فائض الوطنية [4] لدى لشباب الالمانى، الذي انزلت به الشرطة عقب عودته عقوبات تأديبية ملائمة. كان على هذه الحرب ان تعطى بعض الشعبية للجنرال رانجل وفيالقه سيئة السمعة من الحراس، وبصفة عامة لاعادة تأهيل الجيش البروسي. تحقق هذا الهدف، وكان على الحرب المصطنعة ان تنتهى بأى ثمن بهدنة مشينة، جرى التفاوض بشأنها مرة اخرى فى فرانكفورت بين نفس الكامبهاوزن والجمعية الوطنية الالمانية. كانت ثمار الحرب الدانماركية تعيين ” قائد عام للبراندبورجين الاثنتين ” [5] وعودة فيالق الحراس الى برلين التى كانت قد اجليت عنها فى مارس.

والحرب التى شنتها بطانة بوتسدام فى بوزنان تحت رعاية كامبهاوزن!

لقد كانت الحرب فى بوزنان اكثر من ان تكون حربا ضد الثورة البروسية. لقد كانت سقوط فيينا، سقوط ايطاليا، هزيمة ابطال يونيو. لقد كانت اول انتصار حاسم حققه القيصر الروسي على الثورة الاوروبية. وقد تحقق كل هذا تحت رعاية كامبهاوزن العظيم , الصديق المفكر للتاريخ [6] ، فارس الجدال الكبير، بطل المفاوضات.

حازت الثورة المضادة فى ظل كامبهاوزن وبمساعدته كل المراكز الهامة، لقد اعد جيشا مستعدا للعمل بينما اهتمت الجمعية بمداولاتها.

فى ظل هانسمان – بينتو[7] وزير الممارسة العملية، زودت قوى الشرطة بزى جديد، وشنت البورجوازية حربا – مريرة بقدر ماهى حقيرة – ضد الشعب. وقد استخلصت نتيجة هذه المقدمات فى ظل حكم براندنبورج. الاشياء الوحيدة التى كانت هناك حاجة اليها هى شارب وسيف بدلا من رأس.

حين استقال كامبهاوزن صحنا متعجبين:

لقد بذر الرجعية كما تفسرها البورجوازية، وسوف يحصد الرجعية كما تفسرها الارستقراطية والحكم المطلق.

لايخامرنا الشك فى ان فخامة، المبعوث البروسي كامبهاوزن، يعتبر نفسه فى هذه اللحظة من سادة الاقطاع وقد توصل الى اتفاق سلمى مع ” سوء فهمه “.

مع ذلك لايتعين علينا، ان نرتكب خطأ نسبة حوافز ذات دلالة تاريخية عالمية لمتوسطى القدرات امثال كامبهاوزن وهانسمان. فهم لم يكونوا شيئا سوى ادوات طبقة. لغتهما، افعالهما، كاتنا الصدى الرسمى فحسب لطبقة اتت بهما الى المقدمة. لقد كانا ببساطة البورجوازية الكبيرة وقد وضعت فى الواجهة.

لقد شكل اعضاء هذه الطبقة المعارضة الليبرالية فى الدايت الاقليمى المتحد الاخير، ذو الذكرى المباركة، بعد ان بعث كامبهاوزن للحظة.

لقد وجه اللوم الى السادة اعضاء هذه المعارضة الليبرالية بأنهم تخلوا عن مبادئهم بعد ثورة مارس. هذه مغالطة.

اصبح كبار ملاك الارض والراسماليين – وقد كانوا الوحيدين الذين نالوا حق التمثيل فى الدايت الاقليمى المتحد – باختصار الاثرياء، اكثر ثراء وتعليما. ومع تطور المجتمع البورجوازى فى بروسيا، بمعنى آخر، مع تطور الصناعة، والتجارة والزراعة فقدت التمايزات الطبقية القديمة من ناحية اساسها المادى.

لقد تبرجزت الارستقراطية نفسها الى حد كبير. وبدلا من التعامل فى الولاء، والحب والايمان، تتعامل الان بشكل اساسي فى جذور البنجر، والمشروبات الكحولية والصوف. وقد عقدت مبارزاتها فى سوق الصوف. من ناحية اخرى فإن الدولة المطلقة، التى فقدت اساسها الاجتماعى فى مجرى التطور، اصبحت قيدا معيقا للمجتمع البورجوازى الجديد مع نمط انتاجه المتغير ومتطلباته المتغيرة. كان على البورجوازية ان تطالب بنصيبها فى السلطة، وان يكن ذلك بسبب مصالحها المادية. يمكن للبورجوازية وحدها ان تؤكد قانونيا مطالبها الصناعية والتجارية. وقد كان عليها ان تنتزع ادارتها من هؤلاء، اى ” اشد مصالحها قداسة ” من ايدى بيروقراطية عتيقة كانت جاهلة ومتعجرفة فى نفس الوقت. لقد كان عليها ان تطالب بالسيطرة على الثروة القومية، التى اعتبرت نفسها خلقتها. بعد ان جردت البيروقراطية من احتكار مايسمى التعليم وهى واعية بحقيقة انها تملك معرفة ارفع بما لايقاس بمتطلبات المجتمع البورجوازى، فإن البورجوازية لديها ايضا الطموح لتؤمن لنفسها وضعا سياسيا يتوافق مع وضعها الاجتماعى. وحتى تحقق هذا الهدف كان عليها ان تكون قادرة على نقاش مصالحها الخاصة ووجهات نظرها وتصرفات الحكومة بحرية. وقد اسميت هذه ” حرية الصحافة “. وكان لها ان تكون قادرة على تشكيل الجمعيات بحرية. وقد اسمى هذا ” حق تشكيل الجمعيات بحرية “. وكنتيجة ضرورية للمنافسة الحرة، كان لها ان تطالب بالمثل بالحرية الدينية وما الى ذلك. كانت البورجوازية البروسية قبل مارس 1848 تتحرك بسرعة لتحقيق كل هذه الاهداف.

كانت الدولة البروسية تعانى من مصاعب مالية. وقد استنفدت قدرتها على الاقتراض. وكان هذا هو السبب السرى لعودة الدايت الاقليمى المتحد للانعقاد. ورغم ان الحكومة صارعت ضد مصيرها وحلت بفظاظة الدايت الاقليمى المتحد، فإن الافتقار اللنقود والتسهيلات الائتمانية كان سوف يدفعها تدريجيا حتما لاحضان البورجوازية. ان هؤلاء الذين هم ملوك بنعمة الله قد قايضوا دوما امتيازاتهم بالعملة الصعبة، كما فعل بارونات الاقطاع. كان الاثر الاول العظيم لهذه الصفقة التاريخية فى كل الولايات المسيحية الجرمانية هو تحرير الاقنان، وكان الاثر الثانى هو الملكية الدستورية. ” ليس للنقود سيد “، ولكن السادة يتوقفون عن ان يكونوا سادة بمجرد ان تتم شيطنتهم.

وهكذا كانت المعارضة الليبرالية فى الدايت الاقليمى المتحد تشى ببساطة بأن البورجوازية باتت تتعارض مع شكل سياسي لم يعد ملائما لمصالحها واحتياجاتها. وحتى تعارض البلاط، كان عليها ان تكسب الشعب.

وربما تخيلت هى ان معارضتها كانت من اجل الشعب حقا.

من الواضح، ان الحقوق والحريات التى سعت لها البورجوازية لنفسها كان يمكن ان تطلب من الحكومة فقط تحت شعار: الحقوق الشعبية والحريات الشعبية.

كانت هذه المعارضة، كما قلنا آنفا، تتحرك بسرعة صوب هدفها حينما انفجرت عاصفة فبراير.



الهوامش

[1]. وضع هذا الدستور المفروض موضع التطبيق فى 5 ديسمبر، 1848، بالتزامن مع حل الجمعية القومية البروسية. وقد تضمن هذا الدستور برلمانا من مجلسين منتخب عن غير طريق الانتخاب المباشر. كان عدد المواطنين الذين لهم حق الانتخاب للمجلس الاول مقيدا بنصاب كبير من الملكية. وقد سهلت السلطات الكبيرة التى منحها الدستور للتاج التقدم اللاحق للثورة المضادة.

[2]. الايوبية هى عنوان قصيدة ساخرة كتبها كارل ارنولد كورتوم.

[3]. كان امير بروسيا واحدا من اشد القادة المكروهين من البطانة الرجعية. هرب خلال ثورة مارس الى انجلترا وعاد الى برلين فى 4 يونيو، 1848. وفى 6 يونيو سعى كامبهاوزن لتصوير هروب الامير وكأنه رحلة قام بها لاسباب دراسية.

[4]. تعبير “فائض الوطنية ” استخدمه الشاعر هينه فى احدى قصائده.

[5]. كان الجنرال رانجل، الذى كان مرتبطا مع عصابة البلاط الرجعية، فى 15 سبتمبر، 1848، قد عين قائدا عاما فى مقاطعة براندنبورج العسكرية، التى شملت فى هذا الوقت قسمين، كورمارك ونويمارك.

[6]. تعليق ساخر عبر عنه ماركس وانجلز يحيل على كتاب لكارل فون روتك عنوانه الفرعى: من اجل الاصدقاء المفكرين للتاريخ.

[7]. احالة الى التشابه القائم بين الاجراءات التى اقترحها هانسمان وزير المالية البروسي (اى، قرض اجبارى كوسيلة لتحفيز تداول النقود) ووجهات نظر بينتو، المضارب الهولندى، الذى اعتبر الاوراق المالية عاملا يسرع تداول النقود.


أرشيف ماركس وانجلز