كارل ماركس

الثامن عشر من برومير – لويس بونابرت

مقدمة فريدريك انجلز للطبعة الألمانية الثالثة

أن نشوء الحاجة إلى إصدار طبعة جديدة من “الثامن عشر من برومير” بعد ثلاث وثلاثين سنة من صدوره لأول مرة، ليثبت أن هذا المؤلف لم يفقد شيئًا من قيمته حتى في أيامنا هذه.

لقد كان في الحق عملاً عبقريًا. فقد طلع علينا ماركس مباشرة بعد الحادث الذي داهم عالم السياسة كله كأنه صاعقة أنقضت من السماء الصافية، الحادث الذي لعنه البعض بصرخات عالية من الاستهجان الخلقي، وتقبله الآخرون باعتباره خلاصًا من الثورة وعقابًا على أخطائها، الحادث الذي لم يثر إلا دهشة الجميع والذي لا يفهمه أحد – بعد هذا الحادث مباشرة طلع علينا ماركس بعرض موجز ساخر لاذع بسط فيه كامل مجرى التاريخ الفرنسي منذ أيام شباط (فبراير)، بما في هذا المجرى من علاقات داخلية، ورد فيه معجزة الثاني من كانون الأول (ديسمبر) (1) إلى كونها نتيجة طبيعية وضرورية لهذه العلاقات. وهو إذ فعل ذلك لم يكن في حاجة لأن يعامل بطل الانقلاب بغير الاحتقار الذي أستحقه تمامًا. وقد رسم ماركس هذه الصورة بيد ماهرة بحيث أن كل فضح جديد جاء فيما بعد لم يفعل غير أن أورد براهين جديدة على مدى الدقة التي كانت الصورة تعكس بها الحقيقة. أ، هذا الفهم الممتاز للتاريخ الحي المعاصر وهذا التقدير الواضح لمغزى الأحداث في لحظة وقوعها هما حقًا مما لا نظير له.

ولكن من أجل ذلك كان الأمر يقتضي سعة معرفة بالتاريخ الفرنسي كالتي كانت لدى ماركس. أن فرنسا هي البلد الذي كان الصراع الطبقي التاريخي يصل فيه كل مرة، وأكثر مما في أي بلد آخر، إلى نهاية فاصلة، وهي بالتالي البلد الذي كانت فيه الأشكال السياسية المتغيرة التي يتحرك ضمنها هذا النضال الطبقي، والتي تتلخص فيها نتائجه، تنطبع في خطوط جلية إلى أقصى حد. أن فرنسا التي كانت، منذ عهد النهضة، مركز الإقطاع في العصور الوسطى والقطر النموذجي للحكم الملكي الإقطاعي الموحد قد قامت بهدم الإقطاع في الثورة الكبرى وأقامت حكم البراجوازية الصرف في نقاء كلاسيكي ليس هناك ما يضارعه في أي قطر أوروبي آخر. كما أ، كفاح البروليتاريا الصاعدة ضد البرجوازية الحاكمة ظهر هنا في صورة حادة لا نعهدها في أن مكان آخر. وهذا هو السبب الذي حدا بماركس لا إلى دراسة تاريخ فرنسا الماضي بشغف خاص فحسب بل إلى تتبع تاريخها الحالي بكل تفاصيله أيضًا، وإلى تجميع المادة لاستعمالها في المستقبل، ولذلك، لم تكن الأحداث تباغته على الإطلاق.

ثم أن هنالك فضلاً من هذا، فضلاً عن هذا، ظرفًا آخر، أن ماركس هو على وجه التحديد أو من أكتشف القانون العظيم لحركة التاريخ، – القانون الذي يقول أن النضال التاريخي ليس في الواقع سوى التعبير الواضح، بدرجة تزيد أو تقل، عن النضال بين الطبقات الاجتماعية – سواء أقام هذا النضال في ميادين السياسة أم الدين أم الفلسفة أم في أي ميدان أيديولوجي آخر، وإن وجود هذه الطبقات، وبالتالي الاصطدامات التي تقع بينها، إنما تحددها بدورها درجة تطور وضعها الاقتصادي وطابع الإنتاج وأسلوب الإنتاج وطريقة التبادل التي يعينها أسلوب الانتاج. أن هذا القانون الذي يعني بالنسبة للتاريخ نفس ما يعنيه قانون تحويل الطاقة بالنسبة للعلم الطبيعي – أن هذا القانون كان بالنسبة لماركس في هذا الحال أيضًا بمثابة المفتاح لفهم تاريخ الجمهورية الفرنسية الثانية. وعلى محك هذا التاريخ، تحقق في هذا المؤلف من صحة القانون الذي أكتشفه، ولا بد لنا أن نقول حتى بعد ثلاث وثلاثين سنة أن هذا الامتحان أسفر عن نتائج رائعة.

ف.ا.
كتبها انجلس للطبعة الثالثة من كتاب:
“الثامن عشر من برومير لويس بونابرت”
الصادرة في هامبورغ في 1885.



الهوامش

(1) الثاني من كانون الأول (ديسمبر) – المقصود هنا انقلاب الثاني من كانون الأول عام 1851 في فرنسا وقد قام به لويس بونابرت الذي كان يشغل ابتداء من 10 كانون الأول 1848 منصب رئيس الجمهورية الفرنسية: فقد جرى حل الجمعية التشريعية ومجلس الدولة، واعتقال عدد كبير من النواب، وإعلان الأحكام العرفية في 32 مقاطعة، ونفي الزعماء الاشتراكيين والجمهوريين من فرنسا. وفي 14 كانون الثاني (يناير) 1852، أقر دستور جديد يحصر السلطة كلها في يدي الرئيس؛ وفي 2 كانون الأول 1852، نودي بلويس بونابرت إمبراطور فرنسا باسم نابوليون الثالث – ص 7.


أرشيف ماركس وانجلز