قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج الاجتماعية


كتبه: كارل ماركس
سنة: 1859
مقتطع من كتاب: إسهام في نقد الاقتصاد السياسي


تمهيد: إن دراسة المجمعات الإنسانية تبيّن لنا وجود ظواهر مادية وظواهر فكرية في التاريخ. فما هي العلاقة بين هذين الصنفين من الظواهر وما هي أسباب التغيرات التي تحدث فيها ؟ بينما يرى المثاليون، كهيغل أن الفكر هو الذي يحدد مسار التاريخ، يذهب ماركس إلى أن البنية الاقتصادية هي التي تحدد أساس التغير الاجتماعي والأشكال الإيديولوجية، موضحا في هذا النص الخطوط الكبرى للمادية التاريخية.


النتيجة العامة التي وصلت إليها والتي استعملته، عند تحصلي عليه، كدليل لأبحاثي يمكن أن تصاغ بطريقة موجزة كما يلي: إن الناس أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم يدخلون في علاقات معينة ضرورية ومستقلة عن إرادتهم في علاقات إنتاجية تطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية، ويكون مجموع هذه العلاقات الإنتاجية البناء الاقتصادي للمجتمع والأساس الفعلي الذي يقوم عليه البناء الفوقي القانوني والسياسي والذي تطابقه أشكال اجتماعية محددة من الوعي. فأسلوب إنتاج الحياة المادية يعيّن عملية الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية عامة، وليس وعي البشر هو الذي يحدد كينونتهم بل كينونتهم الاجتماعية هي التي تعيّن بالعكس وعيهم. وتدخل قوى المجتمع الإنتاجية المادية، عند مرحلة معينة من تطوره، في صدام مع علاقات الإنتاج القائمة أو بما لا يعدو أن يكون تعبيرا قانونيا عن نفس الأمر مع علاقات الملكية التي ظلت حتى ذلك الحين تعمل في نطاقها. فتلك العلاقات تتحول من أشكال تعمل على تطور القوى الإنتاجية إلى أغلال تقيد هذه القوى، عندئذ يبدأ عصر من الثورة الاجتماعية، وبتغير الأساس الاقتصادي يتغير، بدرجات متفاوتة من السرعة، البناء الفوقي الهائل بأسره، وعندما ننظر في تغيرات كهذه، يجب دائما أن نميّز بين التغير المادي لظروف الإنتاج الاقتصادي الذي يمكن إثباته بطريقة علمية دقيقة وبين الأشكال القانونية والسياسية والفنية والفلسفية وباختصار بين الأشكال الإيديولوجية التي يعي الناس من خلالها هذا الصراع ويخوضونه إلى النهاية. وكما لا يمكن تقييم شخص بما يراه هو في نفسه، كذلك لا يمكن تقييم مثل هذه المرحلة من التغير انطلاقا من وعيها بذاته، وإنما يجب على عكس ذلك تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية وبالصراع القائم بين قوى الإنتاج الاجتماعي وبين العلاقات الإنتاجية. ولا تضمحل أية تشكيلة اجتماعية أبدا ما لم تـُتم كل القوى الإنتاجية التي لها من الاتساع ما يمكنها من استعابها. ولا يمكن أن تحتل مكانها علاقات إنتاجية جديدة أرقى قبل أن تنضج الظروف المادية لوجود هذه العلاقات في صلب المجتمع القديم بالذات. لذلك لا تثير البشرية أبدا من المشاكل إلا ما تقدر على حلّه ما دامت المشكلة، إذا تفحصنا الأمر عن كثب، لا تبرز إلا إذا وجدت بعد الظروف المادية الضرورية لحلها أو على الأقل كانت في طريقها للتكوين. وفي عجالة يمكن اعتبار أساليب الإنتاج الآسيوي منها والقديم والإقطاعي والبرجوازي الحديث أطوارا متصاعدة من التشكيلية الاجتماعية الاقتصادية. إن علاقات الإنتاج البرجوازية هي آخر شكل متناقض في عملية الإنتاج الاجتماعي، وتناقضه ليس بمفهوم التناقض الفردي لكنه التناقض الناشئ عن ظروف الحياة الاجتماعية للأفراد. على أن القوى الإنتاجية التي تنمو في صلب المجتمع البرجوازي تخلق في نفس الوقت الظروف المادية الكفيلة بحل هذا التناقض وبهاته التشكيلة الاجتماعية ينتهي إذن ما قبل تاريخ الإنسانية.