بعد خمس سنوات من مؤتمر ريو
لا شيء تحقق


بقلم:  سيبيل فان دين هوف (عضوة مركز الاقتصاد والأخلاق من أجل البيئة والتنمية (C3ED)، جامعة Versailles - Saint - Quentin - en Yvelines)
المصدر: ألتيرناتيف إيكونوميك، عدد اسثنائي، عدد 35
ترجمة
: عبد الكريم شوطا (نوفمبر 2005)

 


 

بعد خمس سنوات من مؤتمر ريو والإلتزامات التي أخذتها الدول على عاتقها، لم تتحسن وضعية الأرض، بل بالعكس لم نحصد إلا عزاءا تافها: فلا أحد اليوم يجادل في أن هنالك خطرا في بقاء الحال على ما هي عليها.

 

 بوعيها بوجود تهديد فظيع للبيئة، دعت الأمم المتحدة سنة 1972 باستوكهولم إلى مؤتمر عالمي حول هذا الموضـوع. نتائج المؤتمر كانت محدودة بفعل رواسب الحرب الباردة والتعارض بين دول الشمال ودول الجنوب وكذا بفعل معرفة غير كافية بالمخاطر.

عشرون سنة بعد ذلك تقدمت المعارف العلمية واختفت الحرب الباردة، فجمع مؤتمر الأمم المتحدة بريو ممثلي أكثر من 150 بلدا حول موضوع البيئة والتنمية. وقد كرس المؤتمر مفهوم التنمية المستديمة المؤسس على اعتراف بالرباط النهائي بين السلام، البيئة والتنمية من جهة، وفي ما بين أمم المعمور في جهودها لتأمين المستقبل لكرتنا الأرضية من جهة أخرى. بعد خمس سنوات، يمكننا ان نتساءل: ما ذا نعرف عن التهديدات المحدقة ببيئتنا، وكيف تطورت أوضاعها ؟

إن المشاكل عديدة، وليس لدى أنبياء التعاسة إلا حيرة الاختيار. إن المخاطر نجمت عن ظاهرتين: التلوث والاستغلال الفاحش للموارد الطبيعية. وهذه المخاطر هي نتائج أنماط تنمية واستهلاك لا يمكن المنافحة عنهما، أي أنماط لا تسمح بالإبقاء على قدرات الأديم الإيكولوجي للحفاظ على الحياة على المدى البعيد.

إن الإيكولوجيين يميزون أربعة أجزاء كبرى للأديم الإيكولوجي الأرضي: L' Atmosphére: الهواء، و L' Hydrosphére: الماء، و La Biosphére: العضويات الحية. وكل منها مختل بفعل مشاكل بيئية ؛ فالأنواع النباتية والحيوانية – والنوع الإنساني منها خصوصا – التي تشكل الأديم البيولوجي، والتي تستنفذ مستهلكة موارد البيئة في الأنواع الثلاثة الأخرى من الأديم، تجد حياتها، وفي بعض الحالات بقاءها معرضا للخطر.

 

نتائج الفعل الإنساني

إن الهواء مهدد من جراء التغيرات المناخية ونقص طبقة الأوزون وأشكال تلوث الهواء الأخرى. وفي مجال التغيرات المناخية ينجم الخطر عن عن الارتفاع السريع لتكاثف وتمركز الغاز المسبب للحرارة في الهواء. وهذه الوضعية ناجمة عن بث للغاز متأت عن النشاطات الإنسانية، وبشكل أساسي عن عمليات بث الغاز الكاربوني (CO) الناجمة بدورها عن احتراق الطاقات الأحفورية ؛ فهذه الأخيرة تحدث ارتفاعا لدرجة الحرارة المتوسطة لأديم الأرض. إن خطر التغير المناخي لم يعد أبدا مسألة قابلة للجدال، على عكس ما كان في بداية التسعينات ؛ ففي تقريرهم الثاني المؤرخ بسنة 1995 أشار بوضوح الـ 2500 خبير المجتمعين بدعوة من الأمم المتحدة في حضن تجمع الخبراء في ما بين الحكومات حول تطور المناخ (IPCC) إلى ما يلي: "إن الملاحظات تفصح عن وجود تأثير إنساني على المناخ الكلي لا يمكن وقفه".

إن ارتفاع مستوى البحار والمحيطات يعرض للخطر عديدا من البلدان الساحلية، وكذا الأنسقة الإيكولوجية الأرضية و المائية. كما أن التكرار المتوسع للأحداث المناخية القصوى كحالات الجفاف، الفيضانات والأعاصير ستكون لها هي الأخرى تأثيرات هائلة، وستمتد الإصابات لتطال أديمات أخرى: فالدورة المائية العالمية ستختل، والموارد المائية المهددة بجد سلفا مهددة بالزيادة في النقصان في مناطق متعددة. ورغم استيقاظ الوعي وتناميه أكثر فأكثر، فإن عمليات بث الغازات المسببة للحرارة تستمر في الارتفاع ؛ فعمليات بث الغاز المتأتية عن الطاقات الأحفورية انتقلت من 5,926 مليار طن سنة 1992 إلى 6,250 مليار طن في سنة 1996.

إن طبقة الأوزون التي تحمي الإنسانية والأنواع الأخرى من الإشعاعات الفوق-بنفسجية الشديدة التأثير تتناقص بفعل بث الغاز الاصطناعي (وبالخصوص الغازات المسماة الكلوروفليوروكاربون أو CFC) المستخدمة على سبيل المثال في الثلاجات ومكيفات الهواء. إن احتداد الإشعاعات المافوق-بنفسجية يمكن أن يؤدي بالخصوص إلى انتشار أمراض السرطان لدى بني البشر بالإضافة إلى أشكال مهمة من التخريب للغابات والغطاء النباتي والمائي ولنقص في المردودية الفلاحية.

تتوقع معاهدة عالمية إبعاد وإقصاء عديد من المواد الكيميائية المدمرة لطبقة الأوزون، ونحن نجد أن الإنتاج العالمي لـ CFC قد انتقل من 630 ألف طن سنة 1992 إلى 300 ألف طن سنة 1995. وإذا استمرت وثيرة هذا التطور فإن من الممكن أن تبدأ طبقة الأوزون في إعادة التشكل عند بداية القرن الـ21. لكن يلزم نصف قرن على الأقل لتتم العملية بشكل تام.

 

موارد الماء الشروب تتناقص

إن التلوث الحضري الناجم عن الغازات الصادرة عن عوادم السيارات أو إلقاء أوكسيد الكبريت (SOX) وأوكسيد الآزوت (NOX) في الهواء يحدث تراكمات من الحامض، وهي مسؤولة خصوصا عن تراجع وانحطاط الغابات والبحيرات وعن تلوث بعض الموارد من الماء العذب. منذ سنة 1989 بدا أن عمليات بث هذه الأنواع من الحامض قد وقفت عند معدل معين، والمستقبل يتوقف أساسا على الاختيارات التكنولوجية المتخذة من طرف البلدان التي هي في طريق النمو مثل الصين والهند اللتان تعتبران من كبار مستهلكي الفحم ذي نسبة الكبريت العالية.

إن الأديم المائي ليس في مأمن هو الآخر ؛ فالمحيطات والبحار والبحيرات والوديان والينابيع الجوفية ملوثة جراء إلقاء النفايات السامة. إن احتياطيات الماء العذب في تناقص بفعل تلوث واستعمال لا يطاق يخرب أنسقة إعادة التشكل البيولوجية والفيزيائية الطبيعية، فقد انحطت عديد من الأنسقة الإيكولوجية والمائية، إلى جانب النتائج السلبية خاصة على تطور مناطق الصيد التي تعرف استغلالا متفاحشا، وهو ما يحدث استنزافا للاحتياطيات.

 

التنوع البيولوجي في خطر

وأخيرا، فإن التصحر والاختفاء السريع للأراضي الصالحة للزراعة واجتثاث الغابات يضع في حالة خطر عديدا من مناطق العالم، وحسب مؤسسة وورلد واتش بواشنطن فإن 50% من الأراضي الفلاحية بالبسيطة تقهقرت حالتها بشكل طفيف، و16%  منها بشكل عميق. إن 3,6 مليار هكتارمن الأراضي تتحول تدريجيا إلى صحاري. وبالموازاة مع ذلك، فإن تلوث الأرض يستمر في الارتفاع مع جوقته المتمثلة في النتائج السلبية على صحة الإنسان وعلى الأديم البيولوجي، حتى ولو أن هنالك تحسُّنات موجودة محليا بالنسبة لبعض الملوثين.

كل هذه المشاكل تتآلف في ما بينها من أجل تدمير التنوع البيولوجي وتعرض التوازن الحالي لأديمنا الإيكولوجي للخطر. إن الاختفاء المتسارع لأنواع متعددة، إن لم يكن لأنسقة إيكولوجية بكاملها ناتج عن الاستخدامات المفرطة أو غير الملائمة للأنسقة الإيكولوجية، أو عن تدخلات الملوثين التي تتجاوز قدرات هذه الأنسقة على الامتصاص، والنتائج هي أكثر خطورة على النوع الإنساني من فقدان هذا النوع من الكائنات أو ذاك ؛ فالتنوع البيولوجي يحقق عديدا من الوظائف الحيوية: فهو يوفر الغذاء على سبيل المثال والألياف والعلاجات، الطاقة، ويتدخل في امتصاص nutriments المواد المغذية، وفي نوعية التربة وفي صفية المياه أيضا. إنه ياعب دورا أساسيا في ما يخص قدرة الأنسقة الإيكولوجية على التكيف ؛ أي على قدرتها على البقاء.

إن الوضعية تستمر في التقهقر، مع بعض الاستثناءات تقريبا، مبررة بذلك التشاؤم المماثل للتشاؤم الذي ساد الاجتماع العام الاستثنائي للأمم المتحدة المنعقد بنيويورك من 23 إلى 27 يونيه 1997 ؛ فحل مشاكل البيئة شكل دائما معضلة حقيقية ؛ إذ التهديدات غير قابلة للتراتبية لأن غالبيتها تأثيرات على المدى البعيد وتتطلب تدخلا هو في نفس الآن سريع ومسترسل. ويجب مباشرة الصراع في نفس الآن على جميع الجبهات ؛ فلبث ديوكسيد الكبريت (سبب التراكمات الحامضية وهو أيضا عسير على التحكم) تأثير مغاير لتأثيرات الغازات المتسببة في الحرارة. وأخيرا، فإن المُدد والفضاءات المتسببة لا تتوافق إلا قليلا جدا مع المنظورات القصيرة المدى للسياسات الحالية، وهو ما يفسر بدون شك لماذا كانت جهود التقدم المنجزة منذ مؤتمر ريو مبعثرة.

وإذا كانت أوضاع البيئة قد انحطت في العالم رغم الالتزامات المعلن عنها بريو، فإن تحليل أوضاع البيئة وفهمها قد تحسن منذ ذلك الحين ؛ فالمعارف العلمية تتطور بخطى كبيرة في عديد من المجالات، وأنواع التشخيص، وإن كانت مع الأسف أقل إشعارا بالمخاطر، فقد أضحت أكثر فأكثر دقة. لقد تم أخذ كبريات مشاكل البيئة وكذا مفهوم التنمية المستديمة منذ ذلك الحين بعين الاعتبار في إطار استراتيجيات كل الدول تقريبا ؛ فالفكرة القائلة بأن مشاكل البيئة والفقر والنمو الديمغرافي والتنمية والاستهلاك كلها مشاكل مترابطة تملكت رويدا رويدا أذهان مختلف الفاعلين العموميين والخواص، محليين ووطنيين أو عالميين، وهو ما يوفر ما يكفي من المبررات لعدم الاستسلام نهائيا وأبدا للتشاؤم والسوداوية.