جون ريد

(1920-1887)


جون ريد.. "مندوب أممي" في قلب عالم الأثرياء الأميركي

أول مناضل غير روسي قُتل في الثورة الشيوعية، والأميركي الوحيد المدفون قرب الكرملين.


جون ريد (1887 - 1920)، كاتب صحافي أميركي، قيل إنه كان أفضل كتاب عصره، وهو الأميركي الوحيد المدفون قرب جدار الكرملين. انخرط في الثورة الروسية البلشفية وكتب عنها، وجاب مدن الولايات المتحدة سنة 1918 محاضراً، وشارك بنشاط في إنشاء "الحزب الشيوعي الأميركي"، فحوصر من قبل الرأسماليين بعاصفة من التساؤلات بشأن التمويل.

ومن المرجح أن الباحثين هارفي كليهر وجون هاينس وكيرلي أندرسون كانوا محقين بشأن استنتاجهم، في كتابهم "العالم السري للشيوعية الأميركية" (جامعة يال، 1998) أن ريد حصل على مبلغ مالي من الحكومة البلشفية في موسكو، وأن هذا المبلغ موّل جزئياً تلك الأنشطة. أما معظم الأنشطة فكان تمويلها من الشيوعيين الأميركيين أنفسهم، فيما كان ريد نفسه غير مهتم بالمال. 

ثم عاد ريد إلى موسكو في تشرين الثاني/نوفمبر 1919، وغادرها عبر فنلندا بعد 3 أشهر، فألقت الشرطة الفنلندية القبض عليه في 5 آذار/ مارس 1920، وقيل إن الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين تدخل شخصياً لتحريره في 4 حزيران/يونيو من ذلك العام، فاستبدله بأستاذين فنلنديين معتقلين لدى الشرطة السرية الروسية.

كان جون يرغب بالعودة إلى وطنه، ويعبّر في قصيدته "أميركا" عن ذلك حين قال: "إنها تناديني/محبوبتي الضائعة/ محبوبتي الأولى/ محبوبتي...". لكن السلطات الأميركية رفضت تجديد جواز سفره، خاصة بعدما أشيع أنه كان قاصداً نيويورك كقنصل سوفياتي، فكان عليه أن يعود إلى بتروغراد (سان بطرسبورغ حالياً). 

الأميركي الأحمر

كانت مدينة بورتلاند الأميركية الواقعة على ساحل المحيط الهادئ أول مدينة رفض عمالها شحن الإمدادات العسكرية لجيش "كولتشاك" (ائتلاف الجيش الأبيض في الحرب الأهلية الروسية بين 1917 و1921). في هذه المدينة ولد جون (جاك) سايلاس ريد. كان والده، من أولئك الرجال الأشداء الذين صورهم جاك لندن في قصصه عن الغرب الأميركي، رجلاً حاد الذهن خاض صراعاً شرساً مع الرأسماليين الذين استولوا على الغابات والموارد الطبيعية الأخرى، فتعرض للاضطهاد والضرب والطرد من الخدمة، لكنه لم يستسلم. 

ظهرت مواهب جون في وقت مبكر، وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية التحق بجامعة هارفارد، التي اعتاد ملوك النفط وبارونات الفحم والصلب إرسال أبنائهم إليها، فانتهى به الأمر إلى تنظيم "النادي الاشتراكي" في قلب معقل الأثرياء، فخال أساتذته أن هذه كانت مجرد نزوة صبيانية.

عمل محرراً في صحيفة "لامبون" الساخرة وهو في الجامعة، ثم تخرج منها إلى العالم الأوسع، فكتب القصة والمسرحية ونظم الشعر، وحاز اهتمام بعض الصحف التي كلفته بمتابعة قضايا محلية وخارجية، فكتب عن تحول إضراب عمال النسيج إلى عاصفة ثورية في بيترسون، وتمرد عمال روكفلر، وعن الفلاحين المستعبدين في المكسيك حيث رافقهم في مسيرتهم لمجلة "متروبوليتان" (أعاد نشره في كتاب "ثورة المكسيك"). ثم غطى الحرب العالمية الأولى على جبهات فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، تركيا، البلقان، وصولاً إلى روسيا. ونشر تلك التغطيات والمقالات على صفحات مجلة "ليبراتور". 

ظهرت مواهب جون في وقت مبكر، وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية التحق بجامعة هارفارد، التي اعتاد ملوك النفط وبارونات الفحم والصلب إرسال أبنائهم إليها، فانتهى به الأمر إلى تنظيم "النادي الاشتراكي" في قلب معقل الأثرياء، فخال أساتذته أن هذه كانت مجرد نزوة صبيانية.

في صيف عام 1917، هرع إلى روسيا على عتبة ثورة تشرين الأول/أكتوبر، حيث أدرك أن الثورة آتية، فجمع عدداً كبيراً من المواد الصحافية والملصقات التي كانت تحتل الحيز الأكبر من الحرب الدعائية والنفسية في تلك الحقبة، وعاد بكل ملاحظاته ومشاهداته إلى نيويورك عام 1918، حيث صودرت منه مواده في مينائها بأمر من المدعي العام، لكنه نجح في استعادتها وأخفاها في غرفة مكث فيها يدوّن على الآلة الكاتبة مسوّدة كتابه الأكثر شهرة "عشرة أيام هزّت العالم" عن الثورة البلشفية في روسيا. 

نزيل الكرملين جون ريد

لم تحوّل روسيا جون ريد إلى شخص ثوري، فالدم الثوري كان يسيل في عروقه منذ يوم ولادته، وظهرت أفكاره واضحة في إنتاجه الأدبي والصحافي قبل وصوله إلى موسكو.

لكن الثورة البلشفية جعلته يملأ مكتبه بأعمال ماركس وإنجلز ولينين ورأسه بأفكارهم ومقولاتهم، وأزالت الغموض في آرائه الإنسانية فاستبدله بالمادية، ما حفزه على أن يغدو مدرساً للحركة العمالية الأميركية.

إلا أن السياسة لم تكن ميدانه، بل الكلمة الأدبية لأن القصائد الجديدة والروايات والمسرحيات كانت تتوالد في رأسه، وكانت تبحث باستمرار عن طريقة للخروج إلى العلن. 

بعد السجن الفنلندي، عاد إلى روسيا وكتب في الشيوعية الأممية، وجمع مواداً لكتاب جديد، وكان مندوباً في مؤتمر شعوب الشرق في باكو، حيث أصيب (ربما) بمرض التيفوس فعاد منهكاً ولم يستطع مقاومة المرض، فتوفى في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1920.

حين توفى، كان الحكم عليه بالسجن 5 سنوات لا يزال ساري المفعول في أميركا، لكن صحافة بلاده أشادت به كأديب وكإنسان.

والحقيقة أن خسارة الأميركيين الشيوعين آنذاك برحيله كانت لا تعوض. فإذا كان البلاشفة الروس يعتبرون أنه من الطبيعي، كأمر مفروغ منه، أن يموت الشخص بسبب قناعاته، ولا يمكن أن تدخل العواطف في مسألة كهذه في روسيا السوفياتية، حيث قضى مئات الآلاف حتفهم في سبيل الاشتراكية.

جدار الكرملين في الحقبة السوفياتية

لكن بالنسبة إلى جون ريد فكان أول "شهيد" أميركي في الثورة الشيوعية، وشكل رحيله المفاجئ في روسيا المحاصرة البعيدة ضربة مروعة للشيوعيين الأميركيين.

وقيل آنذاك، إنه لم يتبق من عزاء لأصدقائه ورفاقه القدامى سوى أن جون ريد يرقد في المكان الوحيد في العالم الذي أراد أن يكون مثواه الأخير، في الساحة القريبة من جدار الكرملين.

سواء أراد جون ذلك أم لا، إلا أنه توفى وفياً لقناعاته، وفوق ضريحه، رُفعت لوحة تذكارية آنذاك، نُحتت عليها عبارة "جون ريد، مندوب الأممية الثالثة، 1920"