تطبيق قانون نسبية القيمة
ب –
العمل الفائض

 

« في بعض كتب الاقتصاد السياسي نقرأ هذه الفرضية: لو تضاعف سعر كل الأشياء ... كان سعر كل شيء لن يكون النسبة بين الأشياء – إذ أن كل واحد يقدر أن يُضاعف العلاقة والنسبة أو القانون » المجلد 1، صفحة 81.

لقد سقط الاقتصاديون في هذه الفرضية البالية لأنهم لك يعرفوا كيفية تطبيق « قانون النسبة » وقانون « القيمة المُشكَّلة ».

ولسوء الحظ نقرأ في نفس كتاب برودون « المجلد 1، صفحة 110 » « لو ارتفعت الأجور ارتفاعاً عاماً، فإن سعر كل شيء سيرتفع ». وعلاوة على هذا. لو وجدنا هذا السؤال في كتب الاقتصاد السياسي لوجدنا شرحاً له: « عندما يتكلم شخصٌ عن سعر كل السلع عندما ترتفع أو تهبط، فإنه يُجرد عنها سلعةً ما. وهذه السلعة التي لا تخضع لهذ الفرضية هي النقد والعمل ».
John Stuart Mill: Essays on Some UnsettledQuestions of Political Economy.

لِنأت الآن إلى التطبيق الثاني « للقيمة المُشكَّلة » ولنأت إلى نسبٍ أخرى – هذه النسب ينقصها نسب حقة – ولننظر إن كان برودون أكثر سعادةً هنا من المكان الذي يُحاول فيه أن يجعل الخراف والكرمة نقوداً.

« قبِل الاقتصاديون فرضيَّة ما وهي أن كلَّ عملٍ يجب أن يترك فائضاً. ففي نظري هذه الفرضية حقيقة مطلقة وعامة .. إنها تابع لقانون النسبة التي يمكن أن نعتبرها كخلاصة لعلم الاقتصاد كله. ولكن إذا سمح لي الاقتصاديون أن أقول أن المبدأ القائل أن كل عملٍ يجب أن يترك فائضاً، فإن هذا المبدأ لا معنى له ولا يخضع لأي برهان أو دليل » المجلد 1، صفحة 73.

ولكي يُبرهن أن كلَّ عملٍ يترك فائضاً نرى برودون يُعطي شخصيَّةً للمجتمع. إنه يلتفت إلى شخص – المجتمع – أنه ليس مجتمعاً من الأشخاص وليس له مفهوم عام مع الأشخاص الذين يؤلفونه: وذكاؤه (أي ذكاء المجتمع) ليس هو ذكاء الناس الذين به لكنه مجتمعٌ خالٍ من كلِّ شعورٍ بالذوق والحساسية. إن برودون يوبِّخ الاقتصاديين لأنه لم يفهم تضامن المخلوقات. ونحن نفرح أن نجابهه بهذا القول الذي اقتبسناه عن اقتصاديٍ أمريكيٍ؛ إذ يتهم الاقتصاديين بعكس ما اتهمهم برودون: « إن الوحدة الأخلاقية – الكائن النحوي الذي تدعوه الأمة، وُصف دوماً كشيءٍ موجودٍ حقاً، لكنه ليس موجوداً إلا بمخيلة هؤلاء الذين يخلقون شيئاً من كلمة .. لقد سبب هذا متاعب كثيرة وسبب كثيراً من الاضطراب وعدم الفهم في الاقتصاد السياسي.

Cooper, « Lectures on The Elements of Political Economy ».

يُتابع برودون ويقول: « إن هذا المبدأ المُتعلِّق بفائض العمل هو حقيقةٌ بالنسبة للأفراد لأنه يصدر عن المجتمع الذي يُطبِّق عليهم منفعةَ قوانينه » المجلد 1، صفحة 75.

هل يعني برودون أن إنتاج الفرد الإجتماعي يفوق إنتاج الفرد وحده ؟ هل يُشير برودون إلى أن إنتاج الأفراد المجتمعين يزيد على إنتاج الأفراد غير المجتمعين ؟ وإذا كان هذا، فنحن نقدِر أن نُقدِّم له مئات الاقتصاديين الذين تكلموا في هذا الحقل البسيط بدون أي تصوفٍ يُحيط به برودون نفسه. وهذا ما يقوله سادلر:

« إن العمل المُتحد يُعطي نتائج أحسن بكثير من العمل الذي يقوم به الفرد. وبما أن البشر يزداد عددهم فإن إنتاج عملهم المتحد سيزيد بكثير كمية أية إضافة حسابية على أي عملٍ فردي .. ففي الفنون الميكانيكية كما في الأبحاث العلمية، يمكن للرجل أن يُنتج أكثر في اليوم وهو يعمل مع غيره .. أكثر مما لو كان يعمل منفرداً طول حياته .. والهندسة تقول: إن الكل يُساوي مجموع الأجزاء، فإذا طبَّقنا هذا القول على هذا الموضوع فإن هذه الفرضية تكون خطأً ولدى اعتبارنا للعمل – وهو العمود الفقري العظيم للوجود الإنساني يمكن أن يُقالأن الإنتاج الكلي للعمل المتحد يزيد إلى ما لا نهاية كل الجهود التي يقوم بها الفرد » ..

T. Sadler « The Law of Papulation »

ولنعود الآن لبرودون، إن العمل الفائض – يقول برودون – يشرحه الشخص – المجتمع – إن حياة هذا الشخص (المجتمع) تقودها القوانين التي تحكم نشاطات الإنسان كفرد. وبرودون يرغب أن يُبرهن هذا بالوقائع.

إن اكتشاف عملية اقتصادية لا يُقدِّم للمخترع ربحاً مُساوياً للمنفعة التي يُقدِّمها للمجتمع .. ولقد شُوهد أن مشاريع السكك الحديدية هي مصدر ثروةٍ أقل للمتعهدين .. إن معدَّل تكاليف نقل السلع على الطرق هو 18 سنتيم للطن في الكيلومتر؛ وهذا السعر ينطبق على البضائع من مكان تحميلها لمكان تسليمها. ولقد حسب أنه بناءً على هذه النسبة إن مشروع سكةٍ حديديةٍ لا يربح 10 سنتيم بالنسبة للنقل على الطرقات. ولكن لنفترض أن سرعة النقل بواسطة سكة الحديد بالمقابلة مع سرعة النقل على الطرقات هي 4 – 1. وبما أن الوقت في المجتمع هو القيمة نفسها، فإن سكك الحديد – الأسعار كونها مُتساوية – تُمثِّل تقدُّماً بـ 400 % على النقل عل الطرقات، ومع ذلك فإن هذه الحسنة الكبيرة – وهي حسنةٌ للمجتمع لا تتحقق بنفس النسبة للناقل، هذا الناقل الذي يُقدِّم للمجتمع قيمةً إضافيَّةً مؤلَّفةً من 400 % لا يقدر من جهة أن يسحب 10 بالمائة. ولكي نوضح الموضوع أكثر نقول: دعنا نفترض، كواقع، أن سكة الحديد تضع معدَّلاً قدره 25 غرشاً بينما يبقى النقل على الطرقات 18 قرشاً، ففي هذه الحالة تخسر الخطوط الحديدية كل زبائنها. فمرسلو البضائع ومستلموها، وكل واحد يعود إلى النقل بالعربات القديمة إذا رأى ذلك ضرورياً. وحينئذٍ تُهجر عربات القطار. إن التقدم أو ميزة 400 % ستُضحي لخسارةٍ خاصةٍ مقدارها 35 بالمائة. وسبب هذا نعرفه بسهولة: إن التقدم الحاصل من سرعة القطار هو تقدمٌ اجتماعي وكل فردٍ يُشارك بهذا التقدم بنسبة دقيقة بينما تقع الخسارة على المستهلك مباشرةً وشخصياً. إن ربحاً اجتماعياً قدره 400 % لا يُمثِّل بالنسبة للفرد – إذا كان المجتمع مليون فرد – 4 من عشرة آلاف، بينما نجد أن خسارة 33 % للمستهلك تفترض تراجعاً اجتماعياً مؤلفاً من 33 مليوناً ». المجلد 1، صفحة 75 و76.

والآن لننظر لماذا عبَّر برودون عن سرعة أربع مرات (400) أكثر من السرعة الأصلية. لكنه يُريد أن يخلق علاقةً بين نسبة السرعة المئوية ونسبة الربح المئوية ويقيم عندئذٍ نسبةً بين هاتين العلاقتين اللتين – رغم أن كلَّ واحدةٍ تُقاس على حِدة بالنسة المئوية – لا يُمكن قياسها مع بعضها ! وهكذا يعمل على أن يظهر نسبة بين النسب المئوية بدون الإشارة إلى مخرجٍ لهما.

إن النسب المئوية تبقى دوماً نسباً مئوية، 10 بالمائة و400 % يمكن قياسهما، إنهما لبعضهما بنسبة 10 إلى 400، وهكذا يستنتج برودون أن ربح 10 % يُعادل 40 مرة أقل من سرعة أربع مرات أكثر. ولكي يخدع غيره بالمظاهر يقول إن الوقت بالنسبة للمجتمع، هو نقود. يعود هذا الخطأ لأنه لم يفهم جيداً وجود صلة بين القيمة ووقت العمل، فهو يسرع أن يُقارن ويُشبِّه وقت العمل بوقت النقل، يعني أنه يعين السواقين وغيرهم الذين وقتهم يُمثِّل وقت نقل، إنه يمثل عمل هؤلاء بالمجتمع كلِّه. وبضربةٍ قاضيةٍ واحدةٍ، تُصبح السرعة رأسمالاً، وفي هذه الحالة يعتقد حقاً إذ يقول: « إن ربح 400 % ستضحي لخسارة 34 % ». وبعد أن يُؤسس هذه الفرضية الغريبة كرياضياتي يعتقد أنه عليه أن يشرحها لنا كاقتصادي.

« إن ربحاً اجتماعياً يُعادل 400 % يُمثِّل بالنسبة للفرد – في مجتمعٍ مؤلفٍ من مليون شخص – أربعةً من عشرة آلاف ». اتفقنا: لكنن هنا لا نبحث في 400 % لا أكثر ولا أقل. ومهما يكن رأس المال فإن الأشخاص الذين ستُقسم بينهم النسبة سينالون دوماً 400 % وماذا يعمل برودون ؟ إنه يتكلم عن النسبة المئوية كأنها رأسمال، ونراه خائفاً من اضطرابه لأنه لم يشرح قوله، ويُتابع:

« وإن خسارة 33 % بالنسبة للمستهلك تفترض تأخراً اجتماعياً من 33 مليوناً ». إن خسارة 33 % بالنسبة للمستهلك تبقى خسارة 33 % لمليون مستهلك، وكيف يقدر برودون أن يقول إن التأخر الاجتماعي في حالة خسارة 33 % تُعادل 33 مليوناً عندما لا يعلم هو الرأسمال الاجتماعي والرأسمال العائد لكل فرد من الأفراد الذين تتعلق بهم المسألة ؟ وهكذا لم يكن كافياً لبرودون أب يخلط بين رأسمال ونسبةٍ مئويةٍ، إنه يفوق نفسه عندما يعرف أن رأس المال قد غرق في مشروع مع عدد الفرقاء المهتمين.

« ولكي يوضح المسألة أكثر دعنا نفترض أن الواقع » رأسمالاً مُعطى. إن ربحاً اجتماعياً من 400 % يُقسم على مليون مشترك أو مُساهم – وكل واحد من المُساهمين يهتم بربحِ وفرنكٍ واحدٍ – يُعطي نتيجة 4 فرنكات لكل شخص وليس 0.0004 كما يقول برودون وهطذا فخسارة 34 % لكل من المشتركين تُمثِّل تأخراً اجتماعياً من 330000 ألفاً وليس 33 مليوناً (330:100 = 300000:1000000).

إن برودون، بما أنه كان مشغولاً بنظريته في الشخص (المجتمع) ينسى أن يُقسِّم على 100 لكي يحصل على خسارة 330000 فرنكاً، لكن ربح فرنكات لكل فرد يؤدي لربح 4 ملايين فرنكاً ربحاً للمجتمع، ويبقى للمجتمع ربحٌ صافٍ من 3670000 فرنكاً. وهذا الحساب الدقيق يُبرهن بدقة التناقض فيما أراد برودون قوله: وهو أن أرباح وخسائر المجتمع ليست في نسبةٍ معكوسةٍ لأرباح وخسار الأفراد.

وبما أننا قد قدمنا هذه الأخطاء البسيطة العائدة لحساباتٍ دقيقةٍ، لنلق الآن نظرةً على النتائج التي نصلها إذا نحن قبِلنا هذه العلاقة بين السرعة ورأس المال في حالة الخطوط الحديدية – كما يُقدِّمها برودون – دعنا نفترض أن نقل أربعَ مراتٍ أسرع يُلكِّف أربع مراتٍ أكثر ! إن هذه النقل لا يُعطي ربحاً أقل مما يُعطيه النقل بالعربة التي هي أبطأ أربع مرات أقل وتُكلِّف ربع الكمية. فإذا كانت العربة تتقاضى 18 غرشاً فإن خط الحديد يتقاضى 72 غرشاً. وهذا يكون بالنسبة للحسابات نتيجةً للفرضيَّة التي عرضها برودون – ودائماً تنقص أخطاؤه – وهنا فجأةً نراه يقول لنا أنه عوضاً عن 72 غرشاً، فإن الخطوط الحديدية تتقاضى 25 غرشاً لأنها تخسر كلَّ زبائنها. وبالنتيجة علينا أن نعود إلى العربة القديمة. فإذا كان علينا أن ننصج برودون يجب أن لا ننسى في برنامجه للمجتمع المُتزايد أن تقسِّم على 100، لكن مع الأسف نرى أنَّه لا يأخذ بنصيحتنا لأن برودون مبتهجٌ بحساباته التقدميَّة التي تُقابل وتُشبه المجتمع التقدَّمي، حتى أنَّه يصرخ مؤكِّداً: « لقد أظهرتُ في الفصل الثاني عندما حللت مفهوم تناقض القيمة، أن الحسنة التي يُقدِّمها كل امتشاف جديد هي قليلة بالنسبة لمخترع مهما عمل هذا المخترع للمجتمع. ولذلك قمت بالبرهان الثابت حتى توصَّلت لهذا النقطة واعتمدت على نشاطي الحسابي ».

ولنرجع إلى خُرافة الشخص (المجتمع)، هذه الخُرافة التي ينحصر هدفها بالبرهان على هذه الحقيقة البسيطة – وهي أنَّ اختراعاً جديداً يُساعد أن يُقدِّم كميةً من العمل ليُنتج عدداً أكبر من السلع، إن هذه الاختراع يُخفِّض قيمة الإنتاج، فالمجتمع إذاً ينال ربحاً، ليس في حصوله على قيم تبادل أكثر، بل في الحصول على سلعٍ أكثر بنفس القيمة.

وبما يتعلَّق بالمخترع، فإن المُنافسة تجعل ربحه يسقط إلى المستوى العادي للأرباح. هل برهن برودون هذه الفرضيَّة كما أراد هو ؟ كلا. إن هذا لم يمنعه أن يوبِّخ الاقتصاديين عندما فشل برهانه. وإذا برهنا له على العكس أنَّهم برهنوها فإننا نُقدِّم له – ريكاردو ولوردال – ريكاردو زعيم المدرسة التي تُحدِّد القيمة بوقت العمل، ولوردال أحد المُدافعين الكِبار عن تحديد القيمة بالعرض والطلب. وكلاهما عرضا الفرضيَّة نفسها.

« عندما نُسهِّل الإنتاج فإننا ننقص قيمة بعض السلع قبل الإنتاج، رغم أنه بنفس العوامل لا نزيد فقط الثروات الوطنية بل نزيد قوة الإنتاج في المستقبل – ... إنَّك بمساعدة الآلة وبمعرفتك للفلسفة الطبيعية، فإنَّك تُجبر العُملاء الطبيعيين أن يعملوا العمل الذي قام به الإنسان قبلاً، وقيمة التبادل لمثل هذا العمل تسقط وتنقص. فإذا كا عشرة رجال يديرون طاحونة قمح، وبعد الاكتشاف وُجد أنَّه بمساعدة الهواء أو بمساعدة الماء نقدر أن نوفِّر هؤلاء الرجال العشرة، فالدقيق الذي هو نتيجة قسم من العمل الذي قدمته الطاحونة سيهبط سعره بالنسبة لكمية العمل المُوفَّر، ويكون المجتمع أغنى بالسلع التي هي نِتاج عمل عشرة رجال » (ريكاردو) المجلد 2، صفحة 59.

وجاء دور لوردال ليقول:

« وفي كل وقت يُوظَّف به رأس المال ليُنتج ربحاً فإنه يرتفع إما – لأنه يؤلِّف قسماً من العمل الذي كانت يد الإنسان تقوم به – أو لأنه يؤلِّف قمساً من العمل الذي هو أبعد من أن يقوم به جُهد الإنسان. فالربح الصغير الذي يناله عادةً أصحاب الآلات عندما تقيسها بأجور العمل التي تُساعد الآة على خلقه، يمكن أن يخلق شيئاً بالنسبة لصحة هذه النظرة. إن بعض الآلات التي على النار تستهلك ماءً من الآلة التي تعمل على الفحم الحجري أكثر من الماء الذي يمكن حمله على أكتاف الرجال، فإذا جهزنا هذه الآلة بمرجل ماءٍ كبيرٍ فإنها تُنجز عملها بمصروفٍ أقل بكثير من كمية الأجور التي تُقدَّم لهؤلاء الذين كانوا يعملون لو كانوا يقومون بتجهيز ونقل الماء. وهذه الحقيقة تنطبق على كل أنواع الآلات. يجب أن تُنفِّذ كلُّ الآلات العمل الذي كان يُقام قبلاً، يجب أن تُنفِّذ هذا العمل بنسبةٍ أرخص مما لو كانت يد الإنسان تُقدِّمه ... فإذا كان هذا هو الامتياز الذي يُقدَّم لدى اختراع آلة – هذه الآلة التي بواسطة عمل شخصٍ واحدٍ، تُنجز كميةً من العمل كان يحتاج لأربع رجالٍ يقومون به، وبما أن ملكية هذا الامتياز يمنع المنافسة أن تعمل العمل – إلا ما كان يَنتج من عمل العمال وعن أجورهم طالما أن هذه الآلة تُخفِّض الأجور. ولكن عندما يوجد هذا الامتياز فإن آلاتٍ أخرى من نفس النوع تقوم وتُنافس، وحينئذٍ نرى أن كلَّ الآلات تعمل على نفس المبدأ لكثرة الآلات ... لربح الناتج عن الرأسمال المستثمر .. رغم أنه يأتي عمل مساعد، ولكن هذا الربح لا يأتي فقط عن العمل المساعد الذي تُقدِّمه الآلة بل عن المنافسة بين أصحاب رأس المال، يكون هذا الربح كثيراً بالنسبة لكمية رأس المال الذي يُمثل في إنجاز العمل وإنجاز الطلب ». (لودرال، صفحة 119، 123، 124، 125، 134).

وأخيراً طالما أن الربح هنا أكثر من الربح في الصناعات الأخرى، فإن رأس المال يوظَّف في الصناعة الجديدة حتى تهبط نسبة الربح للمستوى العام.

لقد رأينا أن مَثله للخطوط الحديدية لم يُساعده على إلقاء نورٍ على خُرافته – الشخص (المجتمع) – ومع ذلك فبرودونيختصر خطابه:« وبما أنني أوضحت هذه النقط، لا شيء أسهل من أن أشرح كيف أن العمل يترك فائضاً لكل منتج ». (المجلد 1، صفحة 77).

إن كلَّ ما سنراه يعود للآثار الكلاسيكية. إنها قصةٌ شعرية وُضعت لنفس القارئ بعد أن ألمَّ به تعب الحلول الحسابية التي مرت معنا. إن برودون يُطلق على الشخص (المجتمع) اسم بروميثوس ويُمجِّد برودون أعمال بروميثوس عندما يقول:

« قبل كل شيء، استيقظ بروميثوس من صدر الطبيعة وأتى إلى الحياة بقوَّةٍ جبَّارةٍ مُفرحةٍ إلخ... يبتدئ بروميثوس بعمل وفي اليوم الأول أي ثاني يوم بعد ولادته الثانية – يكون إنتاج بروميثوس الثروة أي ليكون في حالةٍ حسنةٍ، وثروته هذه تُعادل عشرة. وفي اليوم الثاني يَقسِم بروميثوس عمله فيصبح إنتاجه مساوياً لمئة. وفي اليوم الثالث وفي كل يوم يتبع يخترع بروميثوس الآلات ويكتشف منافع كثيرة في الأجسام ويكتشف قوى جديدة في الطبيعة –. وفي كل خطوةٍ يخطوها نشاطه الصناعي تنتج زيادةٌ في عدد منتوجاته، هذه الزيادة تُسبب له سعادةً كُبرى. وبعد كلِّ هذا تُصبح كلمة ”أن يستهلك“ تعني ”أن يُنتج“ ومن الواضح أن استهلاك كلِّ يومٍ – مستعملاً إنتاج اليوم السابق – يترك فائضاً في الإنتاج لليوم الثاني » (المجلد 1، صفحة 77 – 78).

إن بروميثوس الذي يتكلَّم عنه برودون لَهو شخصيةٌ غريبةٌ، يُعبِّر عن ضعفه في المنطق كضعفه في الإقتصاد السياسي. وطالما أن بروميثوس يُعلِّمنا تقسيم العمل واستعمال الآلة، والانتفاع من القوى الطبيعية والقوى العلمية، وزيادة القوى الإنتاجية في الإنسان لإعطاء فائض تقابلبانتاج العمل الفردي، إن بروميثوس هذا الجديد يمتاز بحظه السيِّء لأنه أتى مُتأخِّراً جداً. ولكن حين يبتدئ بروميثوس ويتكلَّم عن الإنتاج والإستهلاك يُصبح مُضحكاً. ليستهلك – كما يظن – يعني ليُنتج ! إنه يستهلك في اليوم الثاني ما أنتجه في اليوم السابق، وهكذا يبقى عنده زيادة يوم إلى الأمام، وزيادة هذا اليوم هو ”فائض عمله“. لكن إن كان يستهلك ثاني يوم ما أنتجه في اليوم السابق فيجب وهو في اليوم الأول – إذ لا يوجد يومٌ قبله ليكون له فائض – أن يكون قد قام بعمل يومين حتى يعمل يوماً واحداً حتى يبقى عنده زائد. وكيف ربح بروميثوس هذا الفائض في اليوم الأول – ذلك اليوم حيث لم يوجد تقسيم عمل ولم توجد آلة حتى أنه لم توجد معرفة عن القوى الطبيعية غير قوة النار ؟ فالسؤال إذن يعود ”لأول يوم بعد الخلق“ إذ إنه لم يتقدَّم خُطوةً واحدةً إلى الأمام. إن هذه الطريقة التي يستعملها برودون لشرح الأشياء مأخوذةٌ عن اليوناني وعن العبري لأنها تمتاز بصفتها الصوفية. هذه الطريقة تُعطي الحق لبرودون فيقول: « لقد برهنت نظرياً وعملياً المبدأ القائل أن كلَّ عملٍ يجب أن يكون له فائض ».

”الواقع“ الذي يُظهره هو حساباته التقدُّمية، ”والنظري“ هو أسطورة بروميثوس. يُتابع برودون قائلاً: « لكن هذا المبدأ – بما أنه حقيقي وقائم على افتراضٍ حسابي – لا يزال بعيداً أن يُحققه كل شخص. وبتقدُّم الصناعة الجماعية، فسينتج كل يوم عمل لفردٍ إنتاجاً أكبر، وعندئذٍ يُصبح العامل الذي يتقاضى الأجرة نفسها أغنى وأغنى: هناك حالات تزدهر بينما حالات غيرها تتقهقر ». (المجلد1، صفحة 79 – 80).

لقد كان عدد سكان المملكة المتحدة سنة 1770 خمسة عشر مليون نسمة، أما السكان المُنتجون فكانوا ثلاثة ملايين. والقوى العلمية للإنتاج كانت تساوي سكان بلدٍ مؤلَّفٍ من اثني عشر مليون فرد. وهكذا كان يوجد 15 مليوناً من القوى الإنتاجية. وهكذا كانت القوى الإنتاجية في السكان بنسبة واحد إلى واحد، أما القوى العلمية فكانت بالنسبة للقوى اليدوية أربعة إلى واحد.

ففي سنة 1840 زاد عدد السكان إلى 30 مليون شخص، وكان السكان المنتجون ستة ملايين. لكن القوى العلمية ارتفعت إلى 650 مليوناً، وكان هذا لكل السكان بنسبة 21 إلى واحد أو بالنسبة للقوى اليدوية 108 إلى واحد.

وكان يوم العمل في المجتمع الإنكليزي يتطلَّب في مدة 70 سنةً فائضاً 2700 % قوة إنتاجية، وهذا يعني أن سنة 1840 أنتجت 27 مرة أكثر من 1770. وبالنسبة لبرودون يجب أن يسأل نفسه هذا السؤال: لماذا لم يُصبح العامل الإنكليزي سنة 1840 أغنى 27 مرةً من العامل سنة 1770 ؟ ولدى سؤاله هكذا فإن الشخص يفترض طبيعياً أن الإنكليزي كان يقدر أن يُنتج هذه الثروة بدون الأحوال االتاريخية التي تم الإنتاج بها، مثلاً ! إن التجمُّع الخاص لرأس المال، والتقسيم الحاضر للعمل، والمصانع الأوتوماتيكية، أو المنافسة الفوضوية، وطريقة الأجور – وباختصار كلُّ شيءٍ كان مبنيَّاً على صراع الطبقات. والآن، كانت هذه الأجور بالضبط الحالات الضرورية لنمو القوى الإنتاجية، كان يجب أن تكون طبقاتٌ تستفيد وتربح وطبقاتٌ تتقهقر وتخسر.

وماذا يعني برودن بروميثوس ؟ إنه مجتمع، والعلاقات الإجتماعية قائمةٌ على صراع الطبقات. هذه العلاقات ليست علاقاتٍ بين فردٍ وفردٍ بل بين عاملٍ ورأسمال، بين فلاحٍ وملَّاكٍ.. إلخ. فإذا محوت هذه العلاقات فإنك تُنهي المجتمع، ولا يكون بروميثوس إلا شبحاً بدون ذراع أو أرجل، أي بدون مصانع أوتوماتيكية وبدون تقسيم عمل – وباختصار – بدون أي شيءٍ تكون قد أعطيته له تجعله يحصل على فائض العمل.

فإذا كان برودونقد اكتفى أن يشرح نظرية قاعدة فائض العمل بشعوره للتعادل بدون أن يأخذ بعين الاعتبار أحوال الإنتاج الوقعية، يجب أن يكفي في الواقع أن يجعل كل العمال يشتركون في بالثروة، وبدو أن يُغيِّر أي شرطٍ من شروط الإنتاج. وإن توزيعاً كهذا لا يؤكد أبداً درجةً عاليةً من السرور والراحة للأفراد المشتركين.

لكن برودون ليس متشائماً كما يمكن أن يظن أحدنا. وبما أن كل شيءٍ نسبة، فعليه أن برميثوس الذي جهَّزه تجهيزاً جيداً، أن يرى في مجتمعنا الحاضر، بداية تحقيق رأيه الذي حبَّذه.

« لكن في كل مكان نجد أن نقدم الثروة أي نسبية القيم، هي القاعدة المطلقة، وعندما وقف الاقتصاديون ضد تذمُّر الفريق الإجتماعي أي ضد النمو المُطَّرد للثروة العامة، وضع تحسين أحوال الطبقات الفقيرة، نجدهم يُنادجون بحقيقة كانت كافيةً أن تقضي على نظرياتهم (المجلد 1، صفحة 80).

ما هي في الواقع الثروة الجماعية والغنى الجماعي ؟ إنها ثروة البورجوازي – وليس كلُّ برجوازي. حسناً ان الاقتصاديين لم يفعلوا شيئاً إلا أن يُظهروا كيف أن – علاقات الإناتج الموجودة – ثروة البورجوازي نمت ويجب أن تنمو. وفيما يتعلق بالطبقات العاملة، لا نزال نجد سؤالاً لم يُناقش بعد: كانت أحوالهم قد تحسَّنت لدى زيادة الثروة العامة. فلو قدَّم الاقتصاديون مثال العمال الإنكليز المستخدمين في صناعة القطن، فإنهم يون بؤس هؤلاء في ظل ازدهار التجارة. إن هذه اللحظات من الازدهار هي نسبياً لازمةٌ للأزمات ولازمةٌ للركود ”بنسبةٍ حقيقيةٍ“ 3 إلى 10. لكن ربما، عندما نتكلم عن التحسينات، كان الاقتصاديون يُفكِّرون بملايين العمال الذين كانوا يموتون ويتحطَّمون في جزر الهند الشرقية حتى يُنتجوا شيئاً ما لمليون ونصف عامل مستخدمين في انكلترا في نفس الصناعة، ثلاث سنوات ازدهار من عشر سنوات.

وبالنسبة للاشتراك المؤقت في زيادة الثروة العامة. فإن هذه مسألةٌ مختلفةٌ. إن واقع الاشتراك المؤقت يشرحه الاقتصاديون، في نظرياتهم. إنه تأكيدُ هذه النظرية وليس الحُكم عليها، كما يدعوها برودون. إذا كان يجب أن يُحكم على شيء فيجب أن يكون الحُكم على غِرار منهاج برودون الذي نقص وحقَّر العامل إلى أقل نسبةٍ للأجور، رغم زيادة الثروة العامة: إنه لم يقدر أن يُخفِّض ويُحقِّر العامل لأقل نسبةٍ للأجور إلا بإدخال النسبة الحقيقية للقيم و”القيمة المُشكَّلة“ بوقت العمل. إن الأجور، كنتيجةٍ للمنافسة، تتراوح مرةً إلى الأعلى ومرَّةً إلى الأسفل، وتؤثر علر سعر الطعام الضروري لانعاش العامل، هذا العامل يقدر أن يُشارك لحدٍ ما في تنمية الثروة العامة، ويقدر أيضاً أن يتهدَّم ويفنى من العَوَز والفقر. هذه هي نظرية الاقتصاديين الذين لم يكونوا خياليين بالنسبة للموضوع.

وبعد انحرافاته الطويلة عن موضوع الخطوط الحديدية، وعن بروميثوس وعن المجتمع الجديد الذي يجب إعادة بنائه على ”القيمة المشكلة“ نرى برودون يجمع نفسه لأن العاطفة تعصف به فيصرخ:

« إنني أرجو الاقتصاديين أن يسألوا أنفسهم للحظةٍ واحدةٍ، في هدوء قلوبهم – وأن يبتعدوا عن أحكامهم غير العادلة، هذه الأحكام التي تجعلهم يضطربون، ويجب أن يتجرَّدوا عن أهوائهم وأن لا يتأثروا بالوظيفة التي يأملون أن ينالوها، وبالفوائد التي يَجرون وراءها، وبالاستحسان الذي يتعلقون به، وبمراكز الشرف التي تُبهج كبرياءهم – دعهم يقولوا إن كان هذا المبدأ – أن كلَّ عملٍ يجب أن يترك فائضاً – قد خطر لهم أو ظهر لهم بمثل هذه النتائج التي أظهرتها وقمت بها ». المجلد 1، صفحة 80.