هدف هذه الرسالة

لا يمكن أن يكون لمحاولة التوضيح هذه من معنى إلا إذا حررناها من كل تحفّظ ونفاق ودبلوماسية. وهذا يتطلب تسمية الأشياء بأسمائها حتى ولو كان ذلك قاسيا ومزعجا بالنسبة للحزب. وعادة في مثل هذه الحالات يثور البعض بحجة أن العدو يمسك بالنقد ويستعمله ضدنا. واليوم، قد يكون من الحماقة أن نتساءل من أفاد أكثر العدو الطبقي: أهي سياسة القيادة التي قادت الثورة الصينية إلى هزائم قاسية أم التحذيرات التي خنقت المعارضة التي كانت تعمل على تهديم الهيبة الزائفة لعصمة القيادة.

مما لا شك فيه أن الاشتراكية الديمقراطية حاولت في سلسلة من الحالات الاستفادة من نقد المعارضة. إن العكس هو ما قد يكون مستغربا، فالاشتراكية الديمقراطية هي اليوم، بمعنى تاريخي واسع، حزب طفيلي. إن الاشتراكية الديمقراطية بوفائها بالمهمة التي تهدف إلى حماية المجتمع البرجوازي "من تحت"، في مرحلة ما بعد الحرب (وبخاصة بعد عام 1923)، في سير انحطاطها الظاهر، تعيش من أخطاء الأحزاب الشيوعية وعثراتها، واستسلامها في اللحظات الحاسمة، أو على العكس من محاولاتها المغامرة للعودة إلى وضع ثوري فات أوانه. استسلام الأممية الشيوعية في خريف عام 1923، ثم عناد القيادة في عدم رغبتها فهم معنى هذه الهزيمة الهائلة، والخط المغامر اليساري المتطرف لعام 1924-1925، والسياسة الإنتهازية الفظة في 1926-1927: هذا ما يدعم مواقع الإشتراكية الديمقراطية، وما يسمح لها بجمع أكثر من تسعة ملايين صوت في الانتخابات الألمانية الأخيرة، لذا يغدو ذكر كون نقد المعارضة، في هذه الظروف، تستعيده الاشتراكية الديمقراطية أحيانا وتقدمه للعمل، عبارة عن سفاسف، إن الاشتراكية الديمقراطية لن تكون هي نفسها إن لم تذهب، أحيانا، بعيدا في هذا الطريق، وإن لم تعبر بواسطة جناحها اليساري عن "تعاطف" متقطع وزوائف مع المعارضة، هذا الجناح اليساري الذي يمثل صمام أمانها، كما تمثل هي بالذات صمام أمان المجتمع البرجوازي. إن الاشتراكية الديمقراطية تسمح لنفسها بالقيام بذلك طالما بقيت المعارضة أقلية مضطهدة، وطالما لا يكلّفها "التعاطف" أي ثمن، لا بل قد يؤمن لها ترحيبا بين الشغيلة.

لا تملك الاشتراكية الديمقراطية اليوم، ولا يمكنها أن تملك، خطّها الخاص حول المسائل الأساسية: فخطّها تمليه عليها البرجوازية. ولكنها إذا اكتفت بمجرد الترداد لما تقوله الأحزاب البرجوازية، فإنها تكف عن تأدية خدمة للبرجوازية. فحول المسائل الصغيرة، غير الراهنة أو البعيدة، يتعين على الاشتراكية الديمقراطية أن تستخدم جميع ألوان قوس قزح بما في ذلك الأحمر القاني. وهي تأمل عند استخدام بعض أحكام المعارضة أن تُحدث انشقاقا داخل الحزب الشيوعي. ولكن مَن فهم طابع هذه الآلية لا يرى في المحاولات الرامية إلى توريط المعارضة، بحجة أن أحد السماسرة أو الاشتراكيين الديمقراطيين أخذ يردد جملة واردة في نقدنا، سوى عبارة عن فقر ذهني. والحقيقة أن الاشتراكية الديمقراطية الدولية أبدت "تعاطفها" في جميع القضايا السياسية الهامة – وخاصة قضيتي الصين واللجنة الأنكلوروسية – مع السياسة "الواقعية" للقيادة ولم تبد أي تعاطف معنا.

ولكن الأهم بكثير من ذلك هو حكم البرجوازية العام على الاتجاهات المتصارعة داخل الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، وداخل الأممية الشيوعية: فليس هناك ما يدفع البرجوازية للتردد أو التستر حول هذا الموضوع. وحول هذه النقطة لا بد لنا من أن نذكر بأن كافة النشرات الإمبريالية العالمية، التي تتمتع ببعض الجدية والاعتبار والأهمية في ا،روبا وأمريكا تعتبر المعارضة عدوّها اللدود: فخلال المرحلة المنصرمة قامت هذه الصحف باظهار تعاطف محدود وحذر أمام سلسلة من الخطوات التي قامت بها القيادة الرسمية، أو بالتعبير عن الرأي القائل بأن التصفية التامة للمعارضة وتدميرها الكلي يشكلان المقدمة الضرورية "لتطوير" السلطة السوفياتية "الطبيعي" نحو النظام البرجوازي. ويمكن للمرء استنادا إلى الذاكرة فقط ودون العودة إلى أي مصدر للمعلومات، الاستشهاد بتصريحات عديدة في ذلك النوع: نشرة أنباء الصناعة الثقيلة الفرنسية كانون الثاني 1927، تقرير مخبر الوزراء وأصحاب المليارات الأمريكيين، تقديرات التايمز ونيويورك تايمز وأوستن شامبير لِن المذكورة في منشورات عديدة وخاصة في الصحيفة الأمريكية "ذي نايشون" "الأمة" الخ. وإنه لشيء ذو دلالة أن صحافة الحزب الرسمية توقفت بعد محاولتها الأولى والفاشلة عن نشر تقديرات أعدائنا الطبقيين حول الأزمة التي كان يمر بها الحزب في الأشهر الأخيرة، والتي لا يزال يعني منها: فهذه الأحكام كانت تكشف بوضوح ظاهرة الطبيعة الثورية الطبقية للمعارضة.

ولهذا فإننا نعتقد بأنه قد يكون بوسعنا أن نحصل على وضوح أكبر لو تم نشر كتابين معدين بكل عناية بصدد هذا المؤتمر السادس وهما: "كتاب أبيض" يضم تحليلات الصحافة الرأسمالية الرصينة حول الخلافات داخل الأمة الشيوعية، و"كتاب أصفر" يضم تقديرات الاشتراكية الديمقراطية.

وعلى كل حال، فالخوف من رؤية الاشتراكية الديمقراطية تحاول التدخل في نقاشنا لن يمنعنا لحظة واحدة من أن نحدد بكل جلاء ودقة ما نعتبره خطرا في سياسة الأممية الشيوعية، وما نراه شافيا. إن سحق الاشتراكية الديمقراطية لا يتم بالدبلوماسية أو بإخفاء الأخطاء، بل باتباع سياسة ثورية صحيحة لا بد من وضعها ورسم خطوطها.